الخميس، 27 مارس 2014

كتاب رسائل إلى سام

رسائل إلى سام، دانييل جوتليب، من اصدارات جرير،الطبعة الأولى ٢٠١١،( ١٦٣)صفحة

رسائل إلى سام "دروس جدّ عن الحب والخسارة وهبات الحياة".
قبل أن يتجاوز سام عامه الثاني بقليل، اكتشفت أنا ووالداه علامات إصابته بالتوحد، ذلك الاضطراب العقلي الذي يغير تماماً الكيفية التي يدرك بها المرء العالم، ويؤثر في علاقته بالآخرين - وهي إعاقة ستغير حياته إلى الأبد.
كانت المفاجأة مفجعة لأمه، ابنتي، لقد بكيت لأجلها، ليس فقط لأنها ابنتي، وإنما لأنها عاشت هي الأخرى
مع إعاقتي في طفولتها، والآن عليها أن تقضي عمرها مع إعاقة أخرى ممثلة في طفلها.
وبكيت لأجل سام. لقد أصبحت الآن أريده أن يفهم معنى أن يكون مختلفاً عن الآخرين. أردت أن أعلمه ما تعلمته عن مقاومة هذا النوع من البلاء الذي أواجه تقريباً بشكل يومي، والذي أخشى أن عليه هو الآخر أن يقاومه في حياته..
وأردت أن أخبره كيف أننا ننعم بالسلام عندما نتوقف ببساطة عن خوض هذه الحرب..
إن كل فصل من هذا الكتاب هو رسالة إلى سام. بعض هذه الرسائل عبارة عن قصص من حياتي، وأغلبها قصص عما تعلمته، وكلها عن معنى أن تكون إنساناً..
من واجبي نحوك أن أعلمك كيف تتقبل كونك مختلفاً عن الآخرين وكيف تبحر في عالمك المختلف.
وبينما تكبر، سأخبرك كيف تعلمت التكيف مع الناس الذين ينظرون إليّ  أو يعاملونني بشكل مختلف. ومن الممكن أن نتكلم عن الخوف وغياب العدالة والمنح القليلة التي قد توجد في رحم المحنة.
بُني: أريدك أن تعرف أن كونك مختلفاً ليس مشكلة؛ فهو ليس أكثر من كونك مختلفاً، لكن الشعور بأنك مختلف هو المشكلة. فعندما تشعر بأنك مختلف، فإن هذا الشعور يمكن أن يغير نظرتك للعالم.
إن اختلافي واختلافك مجرد حقائق. أحياناً يحول إدراك عقولنا هذه الحقائق إلى ألم، وقد نتعامل معها أحياناً على أنها مجرد حقائق، نعترف بها لكننا لا نحسها. ولكن كلما زاد شعورك باختلافك، زاد شعورك بالوحدة.


عزيزي سام:
مؤخراً، أنشأت جامعة كيس ويسترن ريزرف في كليفلاند مؤسسة بحثية أطلقت عليها "معهد البحث في الحب اللامحدود"، وينصب التركيز فيه على دراسة الحب الإيثاري. الحب الإيثاري يعني ببساطة العطاء من منطلق العطف، وليس من منطلق الواجب، وليس لأنك تسأل عما يمكن أن يقدمه لك الآخر في المستقبل، أو لأن إنفاقك على الخير سيقلل من الضرائب المفروضة على دخلك. الحب الإيثاري هو ببساطة الحب لأجل الآخرين. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت في هذا المعهد أن هذا النوع من الحب - هو الأنقى - وهو أيضاً الأكثر قدرة على الشفاء.
هل يتطلب الأمر إنشاء مؤسسة لنعرف قيمة هذا النوع من الحب؟
لا أظن. إننا نسمع عنه في كل الأديان والفلسفات، حيث يقال: "العطاء الأسمى أن تعطي دون غرض في نفسك ودون استعراض".
عزيزي سام:
في مملكة الحيوان، يعطي الضعف الحيوانات الأخرى الجرأة للاعتداء على الحيوان الضعيف. يحدث ذلك أحياناً في عالم الإنسان، لكنني وجدت أنه على العكس، فقد فتح ضعفي لي باب الرحمة من الآخرين.
وقد اكتشفت أنه عندما يفيض الناس بالكرم والعطف، يصبحون سعداء.
أحياناً تدفعنا المواقف إلى أن نتصرف بقوة وشجاعة حتى عندما لا نشعر بأي من ذلك حقيقة. لكن هذه المواقف قليلاً ما تحدث، وكثيراً ما يكون العائد أفضل إذا لم تتظاهر بالقوة عندما تشعر بالضعف أو تتظاهر بالشجاعة عندما تكون خائفاً..
تشير الأبحاث إلى أن مساعدة الآخرين تحفز إفراز هرمون "الإندورفين"، وهو المادة الطبيعية المضادة للاكتئاب في الجسم. إن اختلافك سيجعل الناس على استعداد لمساعدتك أنت أيضاً، كما أن مساعدتهم لك تجعلهم يشعرون بشعور طيب.

بعد أسبوعين من الحادث، كنت راقداً في سريري بالمستشفى وسمعت الأطباء في الرواق يقولون: "ذلك المشلول في غرفة ٣٠١، هل تناول الدواء؟ وقد كنت قبل أسبوعين فقط الدكتور "جوتليب" في بعض الدوائر، وفي دوائر أخرى كنت "دان"، وفي دوائر أخرى كنت "بابا"، والآن أنا "مشلول".
حسناً، لقد علمت، يا سام، على مدار السنوات أن الشلل الرباعي ليس هو كل ما أنا عليه، وإنما هو جانب علي أن أتعامل معه. كذلك أنت، فليس التوحد هو كل ما أنت عليه، وإنما عليك أن تتعامل معه. فبسبب الأوصاف التي تطلق علينا، قد يخاف بعض الناس من التعامل معنا. وسيلتزم آخرون بحرص زائد عند الحديث معنا أو الوثوق بنا. إنني أنا وأنت نبدو مختلفين ونتصرف على نحو مختلف، نظراً لإصابتي في العمود الفقري، وإصابتك بالتوحد. لكننا نستطيع أيضاً أن نعلم الآخرين، "أنه أياً كان ما يصيب أجسامنا أو عقولنا، فإن أرواحنا تظل سليمة".
عزيزي سام: تشتعل الحروب لأن الغضب خرج عن السيطرة. تتدمر العلاقات وتتفكك الزيجات، لكن الغضب يمكن أن يتحول إلى صورة منتجة
إذا تمت إدارة الغضب بالشكل المناسب يمكن أن يجعل العالم أكثر عدلاً. أريدك أن تعلم ذلك لأنك ستواجه الظلم بشكل أكثر مما يواجهه الآخرون، وستكون هناك أسباب كثيرة لتغضب.
بينما تكبر، احرص على أن تتابع والديك وهما يناضلان من أجل راحتك. قد يواجه والداك عقبات غير عادلة بشكل يثير السخط، وكل ذلك لأنهما يريدان لك أن تعيش بأفضل شكل ممكن. لكن بينما ترى ذلك، سترى كيف يحولان غضبهما إلى محاربة نظام المدرسة أو وكالات الخدمة الاجتماعية بالنيابة عنك. إنهما يريدان العدالة، ليس لك ولنفسيهما فقط، وإنما للأطفال المحتاجين الآخرين أمثالك. عندما تخوض المعركة الصحيحة، يمكن أن يغير الناتج ليس حياتك فقط، لكن حياة الآخرين أيضاً.
سام، أنا أعرف أنه من طبيعة البشر أن يصارعوا من أجل العدالة الشخصية. وأتمنى أن تكون قادراً على خوض المعارك من أجل نفسك. لكن الأكثر من ذلك، فإني أريد أن تكون قادراً على تحويل غضبك إلى طاقة لخوض المعارك من أجل العدالة للآخرين. إذا استطعت ذلك، فربما ينشأ حفيدك في عالم أكثر رحمة.

سام، أنا أعرف أنك ستشعر بالألم في بعض الأوقات. وحتى الآن، فإنك تشعر بألم رهيب عندما لا تسير الأمور وفق ما تريد. لكن، أتمنى ألا تلوم نفسك أو أحداً آخر بسبب ذلك الألم.
إن أي ألم يتعلق بالحنين إلى الأمس - أياً ما كان لدينا، وأياً كان ما كنا عليه. لكن عندما لا يزول الألم بالسرعة المناسبة، يجب أن ننتقد أنفسنا لعدم التغلب عليه، أو لعدم امتلاك القوة الكافية، أو حتى لكوننا ضعفاء في المقام الأول.
سام، ليس هكذا تلتئم الجراح. إنها لا تطيع رغباتك ولكن الشفاء يحدث بطريقته وفي وقته
عندما ينزل بك البلاء، اقترب من الناس الذين يحبونك والذين يمكنهم تحمل الآمك دون أن يلقوا على مسامعك بالنصائح والآراء. وبمرور الوقت، سيقل حنينك لما كنت تمتلكه بالأمس وتعتاد ما تملكه اليوم أكثر.
سام، سوف تلتقي بأناس يتكلمون عن الانضباط والسيطرة والأهداف والآمال، وسيخبرونك عن النزوات التي يجب تنظيمها والأفكار التي يجب التخلص منها والأفكار والرؤى الخيالية التي يجب كبحها. لكن ما تعلمته عن عقلك يملؤني بالإعجاب. إنه ثائر وهادئ، وأحياناً يمتلئ بصور جامحة وأحياناً يكون كهفاً خالياً. الضوء الساطع والماء الساكن كلاهما ملكك، لكن لا يمكن التنبؤ متى يفسح أحدهما الطريق للآخر. إن العقل الذي يتغير هو الذي يعيش.
سام، التغيير صعب علينا جميعاً، ولكن كلما كبرنا واجهنا تغييراً أكثر. والخسارة جزء من أي تغيير، ومتى فقدنا شيئاً فإننا نتألم ونرجو أن يعود. كل ما فقدته في حياتي - كبيراً أو صغيراً - أردت دائماً في البداية أن يعود.
سام، نحن نفقد في النهاية تقريباً كل شيء نتعلق به.. نفقد ممتلكاتنا وأحباءنا وحتى شبابنا وصحتنا. نعم كل خسارة هي بلوى، لكنها أيضاً فرصة. هناك قول مأثور يقول: "عندما ينفطر القلب لما فقده، تبتهج الروح لما اكتسبته".
لهذا، عندما تشعر بألم الخسارة، أرجوك، لا تتشبث بشيء يُذهب الألم. فقط عليك أن تؤمن بأن هذا الألم، مثل أي شيء آخر، انتقالي. ومن خلاله ستتعرف على قدرتك على التعامل مع الأوقات العصيبة. وستعرف كيف تتعامل مع الضغوط، وستشعر بالفخر. على الحانب الآخر من الألم، ستتعلم شيئاً عن نفسك.


عزيزي سام: نظراً لإصابتك بالتوحد وضآلة جسمك، فأنت معرض في أي لحظة لمضايقات الراغبين في الاستئساد على الآخرين. وأعتقد أنك ستجدهم في المدرسة، وستجدهم بعدها. لذا فعندما تتعلم من الآن كيف تتعامل معهم، سيساعدك ذلك في تلك الأوقات..
ربما يفيدك أن تعلم بعض الأمور عن الأطفال المتنمرين. إن الراضين عن أنفسهم وحياتهم لا يحاولون السيطرة على الآخرين مثلما يفعل المتنمرون. يقول علماء النفس إن الأشخاص الذين عانوا في حياتهم هم في الأرجح من يحاولون إيذاء الآخرين، وإنني على يقين من أن المتنمرينن كذلك. عندما يحاولون استضعاف من حولهم، فإنهم يحاولون بالفعل أن يشعروا بالأمان.
عندما تكبر، ستبدأ في مقارنة نفسك بالآخرين - كلنا نفعل ذلك - لكن المقارنة نادراً ما تصب في صالحنا. في الواقع، كلما قارنا أنفسنا بالآخرين، ننتهي إلى أننا لسنا على ما يرام؛ حيث نخبر أنفسنا بأن الآخرين أذكى وأكثر كفاءة وأكثر جمالاً.. الخ. بماذا نشعر بعد ذلك؟ بالضيق والخزي - نشعر بالخزي لأننا لا نظن أننا كما يجب أن نكون.
سام، في داخل كل منا مخاوف أطلق عليها المحلل النفسي "كارل يانج" ظلالنا. إنه يقصد أن هناك أجزاء فينا لا نستطيع التعامل معها، لكن هذه الظلال جزء منا.
ستكون لديك مشاعر ورغبات تخاف منها، قد تتخذ هيئة الاكتئاب أو إكراه النفس أو الاعتمادية أو العدائية أو الكراهية أو الحسد. لكن إن لم تستطع أن تدمرها، أو تهرب منها، فكيف تتصرف معها؟
رحب بها، أنصت لما تقول. ليس هناك الكثير لتخلف منه؛ فكل شيء تجده هناك هو في نهاية الأمر جزء منك. كيف يكون الأمر أفضل من ذلك؟
لن تنتهي مشاكلك أبداً يا سام. لا أنا ولا أنت نستطيع إزالة الضغوط التي تشعر بها أحياناً بمجرد أمنية. ولا تستطيع أن تدير ظهرك لمعاناتك. لكن إذا خرجت إلى العالم بعيداً عن أية قيود، أظن أنك ستجد أن الوعاء أكبر بكثير جداً مما كنت تتخيل.https://mail.google.com/mail/u/0/images/cleardot.gif


الخميس، 20 مارس 2014

كتاب في مهب الريح

كتاب في مهب الريح "مقالات
 للمؤلف: ميخائيل نعيمة،
 مؤسسة نوفل للنشر،
 (180) صفحة.
من التشابيه المألوفة حتى الابتذال تشبيهنا الشيء بالريشة إذا هو بالغ في خفة الوزن. ثم تشبيهنا ما ليس على شيء من الاستقرار بريشة في مهب الريح. وإني لأستعين بالتشبيه الأخير لأنقل إلى أذهانكم صورة العالم كما يتراءى لي في هذه الأيام. فهو في نظري ريشة – وأخف من ريشة – في مهب الزعازع الهوج التي تجتاحه من كل فج وصوب.
ما عرفت البشرية على مدى تاريخها الطويل فترة من الارتباك، والقلق، والذعر، وتشرد القلب والذهن كالفترة التي تتخبط في دياجيرها اليوم.
لن أُعطيكم مثالاً على ذلك ما تشهدونه من صراعٍ دامٍ وغير دام بين مذاهب العالم من سياسية واجتماعية ودينية وسواها. وأُعطيكم مثالاً هذه السيول الجارفة من الدعاوة للسلم والحرب معاً.
فساسة العالم الذين ملأوا العالم تسبيحاً هم هم الذين ملأوه تجديفاً عليه.
فيبشرون بالسلم إذ هم يعدون عدة الحرب، قائلين: أنهم لا يروجون للحرب حُباً بالحرب بل حِفاظاً على السلم!
عِدّة السلم الصدق، وعِدّة الحرب الكذب.
عِدّة السلم الأمانة، وعِدّة الحرب الخيانة.
عِدّة السلم التعاون، وعِدّة الحرب التنابذ.
عِدّة السلم التعمير، وعِدّة الحرب التخريب.
لئن كانت لنا في حافظة الزمان السحيق صفحات مشرقات بالعدل والبطولة والنبل والإباء والإيمان بقدسية الحياة وجمال منبعها الإلهي، فإن لنا بجانبها مجلدات سوداً تنضح بالظلم والجبن والخساسة والذل.
فليس من الصدق ولا من الرجولة في شيء أن نذكر الصفحات وننسى المجلدات.
ونحن إذ فعلنا ذلك جنبنا على أنفسنا وعلى بنينا وبني بنينا، وكُنا كمن يستر عريه بثوب مستعار.
فمن شأن تغنينا بماضينا أن يصرف همنا عن خزي فيا إلى مجدٍ ليس لنا.
الذين يفتشون عن حياتهم وحريتهم في سلب غيرهم الحياة والحرية، وعن سلمهم في شن حروب لا نهاية لها على سواهم، فمقضي عليهم بأن يبقوا ريشة في مهب الريح.
إذ أنهم كما يسلبون يُسلبون، وكما يحاربون يُحاربون. وهم أبداً ينتهون حيث يبتدون، ويدورون في حلقة مفرغة ولا يعلمون.

لئن اكتملت لك كل الصفات الحميدة، إلا رحابة الصدر، بقيت ريشة في مهب الريح وألعوبة في يد محكوميك. ورحابة الصدر تعني الصبر الجميل على المعارضة من أي نوعٍ كانت ومن أيما مصدر جاءت.
وأنت بغير معارضة جواد بغير لجام ومركب بغير شراع.
لولا المعارضة، لما كانت حركة أو حياة. فهي من الأكوان حجر الزاوية، ومحور الدائرة، ونقطة الانطلاق.
احذر الذين يغالون في مدحك قبل أن تحذر الذين يغالون في قدحك. واحذر أكثر من المادحين والقادحين أولئك الذين لا يمدحون ولا يقدحون. فسلاحهم أمضى من سلاحك لأن صدورهم أرحب من صدرك. وهم يعرفون أن مادح السلطان كاذب وإن صدق. وأن قادح السلطان صادق وإن كذب. ولأنهم يعرفون ذلك تراهم لا يمدحون ولا يقدحون.
ما اختصم اثنان، في أمرٍ من الأمور إلا لأن صدر  كليهما ضاق بمعارضة الآخر. ومن ضاق صدره بالمعارضة ضاق بالحياة التي لا تقوم بغير المعارضة. ومن ضاق صدره بالحياة فما نفعه من تجاريب الحياة؟ إنه لعبء على الحياة والموت معاً.
"الدين والمدرسة"
قامت المدرسة أول ما قامت في كنف الدين وترعرت في حضنه، وما ذلك الماضي ببعيد يوم كان الراغب في تعلم القراءة والكتابة لا يجد له معلماً، غير راهب في دير، أو  كاهن في معبد، أو شيخ في مسجد.
 ثم انتقلت المدرسة من كنف الدين إلى كنف الدنيا – من الدير والهيكل والمسجد إلى وزارة المعارف.
وأقول لو أن الدين والمدرسة تفاهما على هدف الإنسان من وجوده ثم تعاونا على الوصول به إلى ذلك الهدف لأصبحت أرضنا سماء وأصبح عالمنا جنة.
لقد أقامت البشرية أهدافاً كثيرة لنفسها منذ أن استوطنت الأرض حتى اليوم. إلا أن الهدف الذي كان له أبعد الأثر في حياتها، وفي حياة الشباب على الأخص، هو الحرية – ذلك الهدف الذي أُريقت في سبيله أنهار من الدماء الزكية وجلها من الشباب.
المعرفة هي الطريق المؤدي إلى الحرية، والحرية هي الطريق المؤدي إلى المعرفة. فحيث لا معرفة لا حرية، وحيث لا حرية لا معرفة.
"الأدب والدولة"
ليس من ينكر أن للأدب أبعد الأثر في تكوين الأمم، وتوجيه مجاري حياتها. إلا أنه من الصعب، بل من المستحيل، تحديد ذلك الأثر وتقدير قيمته ومداه.
هذا كلام لا مجاز فيه ولا مغالاة، بل هو دون الحقيقة بكثير، وأضيق من أن يتسع لكل وجوهها. وهاهم الكُتاب والنُقاد والمؤرخون ما ينفكون يبحثون تأثير هذا الكاتب أو ذاك في حياة تلك الأمة أو هاتيك بل في حياة الإنسانية بأسرها.
فهل من يجهل أن موليير وفولتير وروسو وهيغو وبلزاك كانوا ملوكاً بغير عروش وكانوا أبعد أثراً في تاريخ بلادهم وتاريخ العالم من الجالسين على العروش في أيامهم؟
وقُصارى القول إن للأدب دولة لا تدول وسلطاناً لا يحول.
ما سمعتُ وما قرأتً حتى اليوم عن دولة أقامت وزارة للأدب. ولا عبرة بوزارات خلقتها أكثر الدول باسم الفنون الجميلة أو باسم الدعاية والنشر. فوزارة الفنون الجميلة تحصر جل همها في المتاحف والآثار، ووزارة الدعاية والنشر في بث الدعاية للدولة وسياستها ونشر ما يوافق غاياتها، ومحاربة ما يخالفها. أما الأدب الصحيح الذي هو أعظم وأنجع دعاية للدولة التي تنبته فحبله على غاربه، يشقى ويسعد، ويكبو وينهض، ويتقلص ويمتد في معزلٍ عن الدولة.
أيكون ذلك من سوء طالع الأدب؟ - لا بل هو من حسن طالع الأدب أن يحيا بحيوية فيه لا في الدولة، وأن يشق طريقه بساعديه لا بسيف ملك أو بسلطان برلمان.
إنه لمن الخير للأدب أن يبقى طليقاً من شِباك الدولة وبعيداً عن الأهواء التي تعصف بسياستها وبرجالها من حينٍ إلى حين.
فالأدب الذي يقيم لنفسه وزناً ويعرف لذاته قيمة يجب أن يصرف همه إلى الإنسان قبل حكامه، وإلى الأمة قبل الدولة. فلا يعير الحكام والدولة انتباهاً إلا على قدر ما ينحرفون بالإنسان عن طريقه القويم أو لا ينحرفون.
"أوزار اللغة"
لله ما أدهى اللسان والشفاه تتحرك بعشرين أو ثلاثين أو أربعين حرفاً لا أكثر، ثم ما أدهى الفكر يزاوج بين تلك الحروف فإذا بها مقاطع، وبين المقاطع فإذا بها كلمات تدل على كل ما تقع عليه العين، وتسمعه الأذن، وتلمسه اليد، وكل ما ينبض به القلب من حزن وفرح، وقلق واطمئنان، وشك وإيمان، ثم يزاوج بين تلك الكلمات فإذا بها عبارات وفصول وروايات. وإذ بها علوم وفنون، ومدنيات وحضارات.
تلك عجيبة الإنسانية الكبرى. ومن المؤسف أن يألف الناس اللغة، كما ألفوا أجسادهم والطبيعة من حولهم. فلا يبصرون فيها عجيبة، وأن يبصروا العجائب في اكتشافات العلم الحديث.
ما من لغة يتكلمها ويكتبها الناس في زمن الطيارة والراديو والصاروخ إلا تشكو تضخماً في ما ورثته عن ماضيها من قيود وحدود ترهق المتكلم والكاتب على السواء. فلا هي تجلو معنى ولا هي تدفع لبساً.
أريد ان أحصر كلامي في العربية وأبنائها.. فهي اللغة التي رضعتها مع اللبن، فمشت في دمي، وجرى بها قلمي، واتخذتها الترجمان الأول لقلبي وفكري. وإني لأسائل نفسي وأسائلهم: ما الذي فعلناه في سبيل لغتنا من بعد أن تسلمناها من أسلافنا؟ هل نحن عاملون على تنقيتها من أدرانها، وعلى تشذيب ما يبس من فروعها وأغصانها، وعلى إعتاقها من اوزار ماضيها التي ترهقها وترهقنا من غير ان تنفعنا بشيء أو ننفعها؟
لست من القائلين بتبسيط اللغة الفصحى إلى حد أن تصبح ضرباً من العامية المنمقة، ولكنني أقول: يا ليت الفصحى تأخذ بعض القواعد العامية. فهي لو فعلت ذلك لاستغنت عن الكثير من القواعد التي ما برحت تتمسك بها جيلاً بعد جيل.
وإنه لمن الخطل القادح والجهل المطبق أن ننكر على العامية عبقرية تستمدها من حيوية الشعوب الناطقة بها، كتلك التي استمدتها الفصحى في ما مضى من حيوية القبائل الناطقة بها.
"أوزار الاجتماع"
قيل "النظافة من الإيمان"، وهو قول حق، إذا نحن لم نقصره على نظافة البدن واللباس والمسكن.
فالفكر واللسان والذوق أحوج إلى النظافة من اليدين والرجلين، والوجه والشعر.. ، وليس أكره من ظاهر نظيف يستر باطناً قذراً.
إن تكن النظافة ضرباً من الإيمان والتعبد، فالقذارة ضرب من الكفر والتهتك.
إنها لعاطفة نبيلة أن تعود مريضاً لعلك تخفف من أوجاعه. أو أن تواسي ملتاعاً عساك تبرد لوعته. ولكنك عندما تعود مريضاً أو تزور محزوناً لا بدافع من نفسك بل امتثالاً لعادة أو لتقليد، فإنك تحمل وزراً ثقيلاً وتُحمل المريض والمحزون وزراً أثقل.
وإنه لمنتهى الشعور الإنساني أن تفرح لفرح جارك فتزيد في فرحه. ولكنك عندما تذهب إليه بلسان يتصنع الفرح وقلب يتأكله الحسد تسمم قلبك وقلبه.
إن أكثر ما يسنه الناس للناس من شرائع باسم السلامة والعدل والحرية، لقيود فوق قيود وأوزار فوق أوزار. والسلامة والعدل والحرية منه براء.
كيف يستقيم الحكم لشعب اعوجت مسالكه؟
كيف يسلك الحكام طريقاً سوياً في الحكم ومن ورائهم شعب ما رفعهم إلى الحكم إلا ليكونوا أداة نكاية لبعضه ضد بعضه، أو أداة منفعة لهذا الجانب منه دون ذلك؟
كيف يعدل الحاكم في شعبٍ يكره العدل؟
كيف يتواضع الحاكم بين قوم رفعه ذلهم إلى أكتافهم؟
أما تراهم يزحفون كالجراد لتهنئة نائب بنيابة أو وزير بوزارة؟
وهم يعلمون في أي مطبخ جهنمي طُهيت تلك النيابة وبأي الأحابيل الشيطانية اقتنصت تلك الوزارة.
لا لست بناسٍ أن في هذا الشعب أفراداً ضمائرهم نقية، وأعينهم شبعى، ونفوسهم عزيزة، وحسهم بالعدل وبالقيم الإنسانية الرفيعة صادق ومرهف. ولكنهم ليسوا الشعب. ولا هم يصلحون حكاماً للشعب. بذا قضت "الديموقراطية".
وخلع الحكام بالقوة يُدعى ثورة. والثورة في نظر القانون إن أفلحت كانت قانوناً فوق القانون، وكانت حرية بالتبخير والتمجيد. وإن أخفقت كانت عصياناً وخروجاً على القانون. وكانت بذلك جديرة بأقصى العقوبات وأفظع التنكيل.
إني أؤمن بالحجة تقرع الحجة، ولا أؤمن بالسيف يقرع السيف.
أتريدون لكم حكاماً عمالقة؟ إذن تفحصوا أنفسكم أولاً وتيقنوا من أنكم لستم بأقزام.
"مجد القلم"
الأدباء يُخلقون ولا يُصنعون. والفرق بين الأديب المخلوق والأديب المصنوع كالفرق بين العين الطبيعية والعين من زجاج.
من كان مُعداً للأدب فهو في غنى عمن يدله على طريقه. ففي داخله ومن خارجه حوافز لا تتركه يستريح حتى يتم التزاوج ما بين عقله وقلبه وذوقه وبين القلم والمداد والقرطاس.
وإن تسألوني: ماذا يحسن بكم أن تطالعوه أجبكم: إن ذلك يتوقف إلى حدٍ بعيد على ميولكم وأذواقكم وعلى مقدار جوعكم إلى المعرفة التي بدونها لا قيام لأي أدب.
وقبل أن تهتموا بما يقوله الناس فيكم اهتموا بما يقوله وجدانكم لوجدانكم.
اخلصوا لأنفسكم وأدبكم أولاً وإذ ذاك فصدوركم لن تضيق بذم ولن تنتفخ بمدح.


الأربعاء، 5 مارس 2014

كتاب ذاكرة للنسيان



كتاب: ذاكرة للنسيان
محمود درويش
دار الورّاق للنشر

كتب محمود درويش هذا النص الساخن قبل عشرين عاماً، عن يوم طويل من أيام حصار بيروت عام ١٩٨٢، بلغة متوترة، وبأسلوب يجمع بين السردي والشعري والقصصي والإخباري..

الساعة الثالثة. فجر محمول على النار. كابوس يأتي من البحر. ديوك معدنية. دخان. حديد يعد وليمة الحديد السيد. 
وفجر يندلع في الحواس كلها قبل أن يظهر.
وهدير يطردني من السرير ويرميني في هذا الممر الضيق.
 ولا أريد شيئاً، لا أتمنى شيئاً. ولا أقدر على إدارة أعضائي في هذا الاضطراب الشامل. لا وقت للحيطة، ولا وقت للوقت.
لو أعرف كيف أنظم زحام الموت المُنصبّ، لو أعرف كيف أُحرر الصراخ المحتقن في جسدٍ لم يعد جسدي من فرط ما حاول أن ينجو في تتبع فوضى القذائف.
..
أريد رائحة القهوة. لا أريد غير رائحة القهوة. ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة. رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدميّ، لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميه. لنمضي معاً، أنا وهذا النهار، إلى الشارع بحثاً عن مكانٍ آخر.
..
والقهوة لمن أدمنها مثلي هي مفتاح النهار.
والقهوة لمن يعرفها مثلي، هي أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت.
الفجر، أعني فجري، نقيض الكلام. ورائحة القهوة تتشرّب الأصوات، ولو كانت تحية مثل، "صباح الخير" وتفسد..
من قال إن الماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة؟ للماء لون يتفتح في انفتاح العطش.
للماء لون أصوات العصافير. الدوري بخاصة، العصافير التي لا تكترث بهذه الحرب القادمة من البحر ما دام فضاؤها سالماً

لستم من هُنا.. قيل لهم هُناك.
لستم من هُنا.. قيل لهم هُنا.

قلوع وحصون هي محاولات لحماية اسم لا يثق بخلوده من النسيان. حجارة مضادة للنسيان، حروب عكس النسيان.
لا أحد يريد أن ينسى. وبشكل أدق: لا أحد يريد أن يُنسى.

أتساءل: كيف تكتبُ يدٌ لا تُبدع القهوة؟

أعرف قهوتي، وقهوة أمي، وقهوة أصدقائي. أعرفها من بعيد وأعرف الفوارق بينها. لا قهوة تشبه الأخرى.

.. لأن العطاء وتقاسم الأشياء في السجن هو معيار صدق العطاء..

أين الجريدة؟ الساعة السادسة صباحاً. وأنا في عين الجحيم.
ولكن الخبر هو ما يُقرأ لا ما يُسمع. والواقع، قبل تسجيل الواقع، ليس واقعاً تماماً.

عمّ أبحث؟ أفتح الباب عدة مرات ولا أعثر على الجريدة.
لماذا أطلب الجريدة والبنايات تتساقط من الجهات كلها. ألا تكفيني هذه القراءة؟

أسير وسط الشارع تماماً، ولا يهمني أن أعرف إلى أين أنا سائر، وكأنني في سرنمة.
لا أخرج من شيء ولا أدخل في شيء. ولكن هدير هواجسي المتلاطمة يعلو على هدير طائرات لا أكترث بها.

دلونا علينا لنفرغ ما فينا من حمولة جثث ليست لنا، ومن ثمر فاسد تدلى من لغة ليست لنا، ولنتابع المشي على خطانا لا على خطى قيصر... لص الهوية والطريق...

لم يبقٓ لنا من موت إلا موت الموت...

أمشي لأراني ماشياً، ثابت الخطوة، حُرّاً حتى من نفسي.
قلت: لن أخرج، لأنني لا أعرف إلى أين أخرج. ولأنني لا أعرف إلى أين أخرج، فلن أخرج.

أغاروا من جديد.. من جديد أغاروا؟. ما هذا اليوم؟ هل هو أطول يوم في التاريخ؟ نظرت إلى البناية المقابلة، نظرت إلى مكتبي الصغير نظرة وداع أخي

سماء بيروت قُبة كبيرة من صفيح داكن. الظهيرة المطبقة تنشر رخاوتها في العظام. الأفق لوح من الرمادي الواضح لا يلونه سوى عبث الطائرات. سماء من هيروشيما. في وسعي أن أتناول طبشورة وأكتب على اللوح ما أشاء من أسماء وتعليقات. اجتذبتني الخاطرة: ماذا سأكتب لو صعدت إلى سطح بناية عالية: "لن يمروا"؟ كتبوها. "تموت ليحيا الوطن"؟. كتبوها. هيروشيما؟ كتبوها. طاشت الحروف كلها من ذاكرتي ومن أصابعي. نسيت الأبجدية. لم أتذكر غير حروف خمسة:
ب ي ر و ت
أمرّ الآن في بيروت في ربيع ١٩٨٠، فأرى قفصاً مصنوعاً من ريش جناحيّ. غنائي يثير السخرية. وصرت الغريب الوحيد.
هل أخطأت؟
كثيراً.
اخرج من هنا.
هل انتهت الحرب؟
عاد جميع الغزاة، وولد الوطن من جديد.
إلى أين أعود؟
إلى بلادك.
أين بلادي؟
في الأمة.
وفلسطين؟
ابتلعها السلام.
وصرت الغريب الوحيد. كم أكتم شكواي: لماذا يكون الوطن اللبناني منافياً لفلسطين؟ لماذا يصير الرغيف المصري منافياً لفلسطين؟ ولماذا يصبح السقف السوري منافياً لفلسطين؟ ولماذا تكون فلسطين منافية لفلسطين.
...
كفى، إلى متى يصمدون؟ فإما أن يموتوا وإما أن يخرجوا! إلى متى يخدشون أمسيات العرب بجثث تقطع تسلسل المسلسل الأمريكي؟ إلى متى يحاربون ونحن في عزّ الإجازة والمونديال وتربية الضفادع؟

ولكنني لا أغضب، كما يغضب غيري، من المظاهرات العربية الصاخبة التي خرجت تحتج على حكم منحاز في مباريات كرة القدم، لا لأن كرة القدم تلهب الحماسة أكثر من هذا الصمود الطويل في بيروت، بل لأن المكبوت العربي، المتعدد المصادر، قد عثر على نقطة الانفجار في المتاح العربي.

ولأني أحب كرة القدم، لم أغضب كما غضب غيري من المفارقة. لا مظاهرة واحدة يثيرها حصار بيروت، بينما تثير كرة القدم هذه المظاهرات أثناء حصار بيروت. لم لا؟ إن كرة القدم هي ساحة التعبير التي يوفرها تواطؤ الحاكم والمحكوم في زنزانة الديموقراطية العربية المهددة بخنق سجنائها وسجانيها معاً

ولكن الأمر يختلف في كرة القدم: في وسع الشارع أن يغضب على اللاعبين وعلى المدرب وعلى الحكم الأجنبي. اللاعبون خانوا روح الأمة، والمدرب أساء وضع الخطة. والحكم منحاز. أما الحاكم فهو برئ من الهزيمة، لأنه مشغول بقضايا أكثر جدية. لذلك يرفع الشارع الغاضب صورة الحاكم عالية عالية، وينفذ من تحتها إلى حرية التعبير: يشتم الغرب كما يشاء، ويومئ إلى الداخل كما يشاء. هذا ما تبقى لنا من حرية، فهل نُفرّط بها؟ وهذا ما تبقى لنا من متعة، فلنصفق لما يشير إلى العافية.

عقد مؤتمر قمة عربي لبحث الاجتياح الإسرائيلي، ورداً ساخراً على عدم احتجاج الدولة اللبنانية على هذا الاجتياح واكتفائها بدور الوسيط بين المبعوث الأمريكي وقيادة المقاومة.
فتساءلنا: لماذا يحرق أصحاب "قمة الحضيض" العربي ثومهم وبصلهم وأصابعهم؟ أليس في الوقت متسع للمزيد من الاجتياح وابتلاع الأرض والناس، إذ لم يمض على الغزو شهر واحد فقط..
شهر واحد لا يزيد على لحظة عابرة في تاريخ الحكم العربي الخالد. ولا تكفي لصياغة رد الدول العربية على عجلة من أمرها، والعجلة من الشيطان الرجيم، ليقضي وزراء خارجيتها ساعات صعبة في تونس، يختلفون فيها على تحليل أهداف الاجتياح ومداه: هل هو ضد الفلسطينيين واللبنايين أم ضد سائر العرب؟

...
والقصف يقصف كل شيء، يقصف حتى الخوف.
وقد علمتنا معاشرة الموت أن الموت لا صوت له. إذا سمعت صوت الصاروخ فذلك يعني أنك حيّ، ذلك يعني أن الصاروخ قد أخطأك وأصاب غيرك.

لم أُدرك أنني كنت في حاجة لأن أقولها هنا في بيروت: سجل، أنا عربي. 
هل يقول العربيُّ للعرب أنا عربي؟ يا للزمن الميت، يا للزمن الحي!

وهنا لم أمت. هنا لم أمت. منذ عشر سنين وأنا أعيش هنا. لم أعش في أي مكان عشر سنين.