الخميس، 27 مارس 2014

كتاب رسائل إلى سام

رسائل إلى سام، دانييل جوتليب، من اصدارات جرير،الطبعة الأولى ٢٠١١،( ١٦٣)صفحة

رسائل إلى سام "دروس جدّ عن الحب والخسارة وهبات الحياة".
قبل أن يتجاوز سام عامه الثاني بقليل، اكتشفت أنا ووالداه علامات إصابته بالتوحد، ذلك الاضطراب العقلي الذي يغير تماماً الكيفية التي يدرك بها المرء العالم، ويؤثر في علاقته بالآخرين - وهي إعاقة ستغير حياته إلى الأبد.
كانت المفاجأة مفجعة لأمه، ابنتي، لقد بكيت لأجلها، ليس فقط لأنها ابنتي، وإنما لأنها عاشت هي الأخرى
مع إعاقتي في طفولتها، والآن عليها أن تقضي عمرها مع إعاقة أخرى ممثلة في طفلها.
وبكيت لأجل سام. لقد أصبحت الآن أريده أن يفهم معنى أن يكون مختلفاً عن الآخرين. أردت أن أعلمه ما تعلمته عن مقاومة هذا النوع من البلاء الذي أواجه تقريباً بشكل يومي، والذي أخشى أن عليه هو الآخر أن يقاومه في حياته..
وأردت أن أخبره كيف أننا ننعم بالسلام عندما نتوقف ببساطة عن خوض هذه الحرب..
إن كل فصل من هذا الكتاب هو رسالة إلى سام. بعض هذه الرسائل عبارة عن قصص من حياتي، وأغلبها قصص عما تعلمته، وكلها عن معنى أن تكون إنساناً..
من واجبي نحوك أن أعلمك كيف تتقبل كونك مختلفاً عن الآخرين وكيف تبحر في عالمك المختلف.
وبينما تكبر، سأخبرك كيف تعلمت التكيف مع الناس الذين ينظرون إليّ  أو يعاملونني بشكل مختلف. ومن الممكن أن نتكلم عن الخوف وغياب العدالة والمنح القليلة التي قد توجد في رحم المحنة.
بُني: أريدك أن تعرف أن كونك مختلفاً ليس مشكلة؛ فهو ليس أكثر من كونك مختلفاً، لكن الشعور بأنك مختلف هو المشكلة. فعندما تشعر بأنك مختلف، فإن هذا الشعور يمكن أن يغير نظرتك للعالم.
إن اختلافي واختلافك مجرد حقائق. أحياناً يحول إدراك عقولنا هذه الحقائق إلى ألم، وقد نتعامل معها أحياناً على أنها مجرد حقائق، نعترف بها لكننا لا نحسها. ولكن كلما زاد شعورك باختلافك، زاد شعورك بالوحدة.


عزيزي سام:
مؤخراً، أنشأت جامعة كيس ويسترن ريزرف في كليفلاند مؤسسة بحثية أطلقت عليها "معهد البحث في الحب اللامحدود"، وينصب التركيز فيه على دراسة الحب الإيثاري. الحب الإيثاري يعني ببساطة العطاء من منطلق العطف، وليس من منطلق الواجب، وليس لأنك تسأل عما يمكن أن يقدمه لك الآخر في المستقبل، أو لأن إنفاقك على الخير سيقلل من الضرائب المفروضة على دخلك. الحب الإيثاري هو ببساطة الحب لأجل الآخرين. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت في هذا المعهد أن هذا النوع من الحب - هو الأنقى - وهو أيضاً الأكثر قدرة على الشفاء.
هل يتطلب الأمر إنشاء مؤسسة لنعرف قيمة هذا النوع من الحب؟
لا أظن. إننا نسمع عنه في كل الأديان والفلسفات، حيث يقال: "العطاء الأسمى أن تعطي دون غرض في نفسك ودون استعراض".
عزيزي سام:
في مملكة الحيوان، يعطي الضعف الحيوانات الأخرى الجرأة للاعتداء على الحيوان الضعيف. يحدث ذلك أحياناً في عالم الإنسان، لكنني وجدت أنه على العكس، فقد فتح ضعفي لي باب الرحمة من الآخرين.
وقد اكتشفت أنه عندما يفيض الناس بالكرم والعطف، يصبحون سعداء.
أحياناً تدفعنا المواقف إلى أن نتصرف بقوة وشجاعة حتى عندما لا نشعر بأي من ذلك حقيقة. لكن هذه المواقف قليلاً ما تحدث، وكثيراً ما يكون العائد أفضل إذا لم تتظاهر بالقوة عندما تشعر بالضعف أو تتظاهر بالشجاعة عندما تكون خائفاً..
تشير الأبحاث إلى أن مساعدة الآخرين تحفز إفراز هرمون "الإندورفين"، وهو المادة الطبيعية المضادة للاكتئاب في الجسم. إن اختلافك سيجعل الناس على استعداد لمساعدتك أنت أيضاً، كما أن مساعدتهم لك تجعلهم يشعرون بشعور طيب.

بعد أسبوعين من الحادث، كنت راقداً في سريري بالمستشفى وسمعت الأطباء في الرواق يقولون: "ذلك المشلول في غرفة ٣٠١، هل تناول الدواء؟ وقد كنت قبل أسبوعين فقط الدكتور "جوتليب" في بعض الدوائر، وفي دوائر أخرى كنت "دان"، وفي دوائر أخرى كنت "بابا"، والآن أنا "مشلول".
حسناً، لقد علمت، يا سام، على مدار السنوات أن الشلل الرباعي ليس هو كل ما أنا عليه، وإنما هو جانب علي أن أتعامل معه. كذلك أنت، فليس التوحد هو كل ما أنت عليه، وإنما عليك أن تتعامل معه. فبسبب الأوصاف التي تطلق علينا، قد يخاف بعض الناس من التعامل معنا. وسيلتزم آخرون بحرص زائد عند الحديث معنا أو الوثوق بنا. إنني أنا وأنت نبدو مختلفين ونتصرف على نحو مختلف، نظراً لإصابتي في العمود الفقري، وإصابتك بالتوحد. لكننا نستطيع أيضاً أن نعلم الآخرين، "أنه أياً كان ما يصيب أجسامنا أو عقولنا، فإن أرواحنا تظل سليمة".
عزيزي سام: تشتعل الحروب لأن الغضب خرج عن السيطرة. تتدمر العلاقات وتتفكك الزيجات، لكن الغضب يمكن أن يتحول إلى صورة منتجة
إذا تمت إدارة الغضب بالشكل المناسب يمكن أن يجعل العالم أكثر عدلاً. أريدك أن تعلم ذلك لأنك ستواجه الظلم بشكل أكثر مما يواجهه الآخرون، وستكون هناك أسباب كثيرة لتغضب.
بينما تكبر، احرص على أن تتابع والديك وهما يناضلان من أجل راحتك. قد يواجه والداك عقبات غير عادلة بشكل يثير السخط، وكل ذلك لأنهما يريدان لك أن تعيش بأفضل شكل ممكن. لكن بينما ترى ذلك، سترى كيف يحولان غضبهما إلى محاربة نظام المدرسة أو وكالات الخدمة الاجتماعية بالنيابة عنك. إنهما يريدان العدالة، ليس لك ولنفسيهما فقط، وإنما للأطفال المحتاجين الآخرين أمثالك. عندما تخوض المعركة الصحيحة، يمكن أن يغير الناتج ليس حياتك فقط، لكن حياة الآخرين أيضاً.
سام، أنا أعرف أنه من طبيعة البشر أن يصارعوا من أجل العدالة الشخصية. وأتمنى أن تكون قادراً على خوض المعارك من أجل نفسك. لكن الأكثر من ذلك، فإني أريد أن تكون قادراً على تحويل غضبك إلى طاقة لخوض المعارك من أجل العدالة للآخرين. إذا استطعت ذلك، فربما ينشأ حفيدك في عالم أكثر رحمة.

سام، أنا أعرف أنك ستشعر بالألم في بعض الأوقات. وحتى الآن، فإنك تشعر بألم رهيب عندما لا تسير الأمور وفق ما تريد. لكن، أتمنى ألا تلوم نفسك أو أحداً آخر بسبب ذلك الألم.
إن أي ألم يتعلق بالحنين إلى الأمس - أياً ما كان لدينا، وأياً كان ما كنا عليه. لكن عندما لا يزول الألم بالسرعة المناسبة، يجب أن ننتقد أنفسنا لعدم التغلب عليه، أو لعدم امتلاك القوة الكافية، أو حتى لكوننا ضعفاء في المقام الأول.
سام، ليس هكذا تلتئم الجراح. إنها لا تطيع رغباتك ولكن الشفاء يحدث بطريقته وفي وقته
عندما ينزل بك البلاء، اقترب من الناس الذين يحبونك والذين يمكنهم تحمل الآمك دون أن يلقوا على مسامعك بالنصائح والآراء. وبمرور الوقت، سيقل حنينك لما كنت تمتلكه بالأمس وتعتاد ما تملكه اليوم أكثر.
سام، سوف تلتقي بأناس يتكلمون عن الانضباط والسيطرة والأهداف والآمال، وسيخبرونك عن النزوات التي يجب تنظيمها والأفكار التي يجب التخلص منها والأفكار والرؤى الخيالية التي يجب كبحها. لكن ما تعلمته عن عقلك يملؤني بالإعجاب. إنه ثائر وهادئ، وأحياناً يمتلئ بصور جامحة وأحياناً يكون كهفاً خالياً. الضوء الساطع والماء الساكن كلاهما ملكك، لكن لا يمكن التنبؤ متى يفسح أحدهما الطريق للآخر. إن العقل الذي يتغير هو الذي يعيش.
سام، التغيير صعب علينا جميعاً، ولكن كلما كبرنا واجهنا تغييراً أكثر. والخسارة جزء من أي تغيير، ومتى فقدنا شيئاً فإننا نتألم ونرجو أن يعود. كل ما فقدته في حياتي - كبيراً أو صغيراً - أردت دائماً في البداية أن يعود.
سام، نحن نفقد في النهاية تقريباً كل شيء نتعلق به.. نفقد ممتلكاتنا وأحباءنا وحتى شبابنا وصحتنا. نعم كل خسارة هي بلوى، لكنها أيضاً فرصة. هناك قول مأثور يقول: "عندما ينفطر القلب لما فقده، تبتهج الروح لما اكتسبته".
لهذا، عندما تشعر بألم الخسارة، أرجوك، لا تتشبث بشيء يُذهب الألم. فقط عليك أن تؤمن بأن هذا الألم، مثل أي شيء آخر، انتقالي. ومن خلاله ستتعرف على قدرتك على التعامل مع الأوقات العصيبة. وستعرف كيف تتعامل مع الضغوط، وستشعر بالفخر. على الحانب الآخر من الألم، ستتعلم شيئاً عن نفسك.


عزيزي سام: نظراً لإصابتك بالتوحد وضآلة جسمك، فأنت معرض في أي لحظة لمضايقات الراغبين في الاستئساد على الآخرين. وأعتقد أنك ستجدهم في المدرسة، وستجدهم بعدها. لذا فعندما تتعلم من الآن كيف تتعامل معهم، سيساعدك ذلك في تلك الأوقات..
ربما يفيدك أن تعلم بعض الأمور عن الأطفال المتنمرين. إن الراضين عن أنفسهم وحياتهم لا يحاولون السيطرة على الآخرين مثلما يفعل المتنمرون. يقول علماء النفس إن الأشخاص الذين عانوا في حياتهم هم في الأرجح من يحاولون إيذاء الآخرين، وإنني على يقين من أن المتنمرينن كذلك. عندما يحاولون استضعاف من حولهم، فإنهم يحاولون بالفعل أن يشعروا بالأمان.
عندما تكبر، ستبدأ في مقارنة نفسك بالآخرين - كلنا نفعل ذلك - لكن المقارنة نادراً ما تصب في صالحنا. في الواقع، كلما قارنا أنفسنا بالآخرين، ننتهي إلى أننا لسنا على ما يرام؛ حيث نخبر أنفسنا بأن الآخرين أذكى وأكثر كفاءة وأكثر جمالاً.. الخ. بماذا نشعر بعد ذلك؟ بالضيق والخزي - نشعر بالخزي لأننا لا نظن أننا كما يجب أن نكون.
سام، في داخل كل منا مخاوف أطلق عليها المحلل النفسي "كارل يانج" ظلالنا. إنه يقصد أن هناك أجزاء فينا لا نستطيع التعامل معها، لكن هذه الظلال جزء منا.
ستكون لديك مشاعر ورغبات تخاف منها، قد تتخذ هيئة الاكتئاب أو إكراه النفس أو الاعتمادية أو العدائية أو الكراهية أو الحسد. لكن إن لم تستطع أن تدمرها، أو تهرب منها، فكيف تتصرف معها؟
رحب بها، أنصت لما تقول. ليس هناك الكثير لتخلف منه؛ فكل شيء تجده هناك هو في نهاية الأمر جزء منك. كيف يكون الأمر أفضل من ذلك؟
لن تنتهي مشاكلك أبداً يا سام. لا أنا ولا أنت نستطيع إزالة الضغوط التي تشعر بها أحياناً بمجرد أمنية. ولا تستطيع أن تدير ظهرك لمعاناتك. لكن إذا خرجت إلى العالم بعيداً عن أية قيود، أظن أنك ستجد أن الوعاء أكبر بكثير جداً مما كنت تتخيل.https://mail.google.com/mail/u/0/images/cleardot.gif


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق