الأربعاء، 7 مايو 2014

كتاب: سيرة خليفة قادم

كتاب: سيرة خليفة قادم، "قراءة عقائدية في بيان الولادة"
للمؤلف: د. أحمد خيري العمري
دار النشر: قيام القرآن لأمة قائمة
الطبعة: الأولى 2013
الكتاب يبحث في موضوع "الاستخلاف". موضوع وظيفتنا بوصفنا خلفاء في الأرض.
وهو موضوع "مفتاحي"، بمعنى أنه يُشكل "مفتاحاً" لأساسات مهمة في فهم النص الديني، وفهم وظيفته، وبالتالي فهم المطلوب منا.
كما أن البحث في موضوع الاستخلاف قد أدى إلى فتح "مفاهيم مفتاحية أخرى" لا تقل أهمية ومركزية عن الاستخلاف، كمفهوم "الإيمان والعمل الصالح" وارتباطهما الوثيق قرآنياً، وكذلك مفاهيم "الدنيا" القضاء والقدر، التقوى، وأولي الأمر، وكلها مفاهيم ليست فاعلة في حياتنا اليومية فحسب، ولا تملك تأثيراً مباشراً على ما نتخذه من قرارات في مفترقات الطرق الموجودة في حياتنا فحسب، بل هي تشكل عناصر أساسية في معادلة الاستخلاف، والخلل الذي أصابها أصاب معادلة الاستخلاف في مقتل.

الحديث عن الاستخلاف والخلافة، يرتبط مباشرة بدورنا المنشود في هذه الحياة. وهو دور أؤمن شخصياً أنه أبعد بكثير عن مجرد "رفع معدلات التنمية"، أو  "مضاهاة بقية الأمم التي سبقتنا.
هذا الدور عندما نؤمن به حقاً، يكون جزء منا، من تلافيف أدمغتنا، يكون كالوشم على عقولنا ونمط تفكيرنا، على رؤيتنا للأشياء، على تعاملنا مع الأشياء، من أبسطها، كرمي ورقة في الشارع، إلى أضخمها، كالتحديات الكبرى التي تواجه الأوطان والأمم، مروراً بتربية الأبناء، إلى سبر أغوار العلوم، إلى نشر الوعي..
إن البحث عن سؤال صحيح لطرحه قد يكون أهم بكثير من إيجاد الجواب الصحيح لأسئلة غير مهمة.
لذلك فمن المهم جداً، أن نطرح السؤال الصحيح أولاً، من أجل الوصول لاحقاً إلى الجواب الصحيح.

لماذا نحن هنا، على هذا الكوكب؟
سؤال لماذا نحن هنا؟ يرتبط بوجودنا المباشر على سطح الأرض، وبالتالي يرتبط بما نفعله على هذه الأرض، ولهذه الأرض، إنه سؤال وجودي تماماً؛ لأنه يرتبط بماهية وجودك، بكل ما هو أنت، بكل ما أنت من أجله.
الهدف من وجودنا، هو قضية "عقائدية" بطريقة ما، أي أنه يدخل في صميم عقيدتنا وإيماننا، فلفظ العقيدة الذي اشتق من الفعل "عقد" تنطبق تماماً على إيماننا بما خُلقنا من أجله، الذي هو "عقدة الأمر"، فحياتنا كلها على كوكب الأرض تقوم على ما سنفعله فيها، وما سنفعله فيها يعتمد بشكل أو بآخر على إيماننا بوظيفتنا فيها.
فالأمر ليس قضية نسبية، وليس مجرد وجهة نظر. ليس رأياً قد يحتمل الصواب والخطأ. لا الأمر يتعلق بالعقيدة، والعقيدة ليست رأياً عابراً في قضية عابرة.

عندما تنزل القرآن تباعاً كان يقوم بعملية إعادة تشكيل للإنسان.
لم يكن الإنسان الذي نشأ في الجاهلية مثل ورقة بيضاء.
كان هناك كثير من المفاهيم التي شكلت هذا الإنسان الجاهلي، ليس فقط أوثان الجاهلية وأصنامها، بل أيضاً كثير من المفاهيم المرتبطة بهذه الأوثان، عادات، تقاليد، نمط تفكير...الخ
كانت شهادة التوحيد "لا إله إلا الله" تعني ضمن ما تعنيه، نسفاً لذلك الإنسان القديم الذي نشأ وتكون في الجاهلية.
وتعني أيضاً إعادة تكوينه من جديد على مفاهيم جديدة ورؤية جديدة للعالم ولنفسه ولدوره في هذا العالم.
كل لفظ استخدمه القرآن الكريم كان له معنى في لسان العرب، ولكنه فُهم من جديد في سياق مختلف عندما طُرح في القرآن.
كلمة "خلف" وربما مشتقاتها كانت معروفة عند العرب، وتعني شيئاً مرتبطاً بـ "جعل أحدهم مكانه".
ثم جاء القرآن، فصار كل شيء له معنى مختلف، معنى أكثر توهجاً.
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله...)
الحكم، الحق، الابتعاد عن الأهواء.
هذه المفاهيم الثلاثة، اثنان منها إيجابيان يؤديان إلى الفتح، والثالث سلبي يُستخدم للإغلاق، جاء ذكرها نتيجة لكون داود خليفة.
أي أنها جزء من متطلبات الخلافة، ومن استحقاقاتها.
الحكم هنا في سياق الاستخلاف لا يتحدث عن أي حكم، إنه يتحدث عن "حكم" يكون هو الحكم الصواب، حكم يكون جزء من فصل الخطاب.
الحكم بالحق، هو الحكم الذي أمر الله عبد داود أن يحكم به، وهذا يقودنا إلى مفهوم الحق، فالحق مفتاح من ثلاثة مفاتيح لا يمكن فهم مفهوم الخلافة إلا بها جميعاً.
(واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا...)
إنه التذكير إذن، وهو تذكير يعني ضمناً، ان الحقيقة "المذكر" بها هي حقيقة منسية، تحتاج إلى تذكير.
كيف ينسى الإنسان معلومة مهمة جداً؟
ما لآلية التي تجعله ينسى شيئاً مهماً "مثل نسيانه أنه الخليفة"؟
ما كان الإنسان سينسى "ما خلق من أجله، وظيفته الأصلية" لولا أنه اخترع عشرات الوظائف الصغيرة التي أثقل بها ذاكرته ووعيه، حتى غطت على "ذكرى الوظيفة الأصلية".


سورة الأنعام: نعمة أن تكشف أنك إنسان.
ليست سورة الأنعام أول سورة ذكرت فيها كلمة خليفة أو لفظ مشتق من الفعل خلف، لكن الإشارة إلى "الخلافة" في خاتمتها تجعلها في موضع مهم، إذ إن كل ما في السورة، ينتهي ليصب في خاتمتها.
لآية الخاتمة في السورة هي:
(وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب)
وفيها 164 آية تصب كلها في هذه الآية، في كونه تعالى جعلنا (خلائف الأرض)
كل ما جاء في سورة الأنعام مما يعد اليوم جزء من عقيدتنا في الله، يصب في تلك الآية الخاتمة التي تقول لنا: إنه سبحانه جعلنا (خلائف الأرض)
إنها عقيدة أيضاً. مثلما أنه كتب على نفسه الرحمة.
ومثلما أنه خلق السماوات والأرض، وأنه خلقنا من نفس واحدة، وأنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
كلها عقائد لا جدال فيها. كلها مما نؤمن به، وإيماننا به يجعلنا مسلمين.
كذلك أنه جعلنا "خلائف" هذه أيضاً عقيدة.
كل ما في الأمر "أنهم لم يدرجوها في كتب العقائد التي درسونا إياها. لكنها بقيت في القرآن، وهذا هو المهم.
صراط الاستخلاف: من العقل نبدأ
(قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم...) صورة للآية
الإيمان الواعي الذي يعد "العقل" شريكاً في الوصول، لا عقبة يجب تجاهلها أو الالتفاف حولها كما في أغلب الديانات المعروفة بصيغتها الحالية، هو الذي يمكن أن يوصل إلى الاستخلاف.
الآيات التي تتحدث عن "صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي"، تتحدث بصيغة فريدة شخصية وحميمية جداً.
تتحدث عن "مشروع حياة".
ابتدأ الأمر بالصلاة، فهي الشكل الذي يضم المعنى، ودون الشكل لن يكون هناك معنى، مهما حاول المنفلتون إيهامنا بأن المهم هو ما في القلب، وأن المهم هو ما نفعله، بغض النظر عن صلاتنا أو عدم صلاتنا.
والنسك كل تضحية تقدمها في حياتك على مذبح التقرب إلى الله عز وجل، بعضهم يقدم كل وقته، كل مواهبه، كل جهده ليكون خالصاً لله.
والمحيا غير الحياة، محياي ما أحيا من أجله، ما يجعل لحياتي معنى.
ومما تي ما أموت لأجله، ما أتوج به حياتي عندما لا يكون هناك حل آخر، فأنهيها بما يصب في قضيتي، عندما يكون موتي أكثر جدوى من حياتي.
هذا هو ملخص الحياة، عندما يكون في حياتك "قضية". والحياة في نهاية الأمر "قضية".

في سورة البقرة: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)
لم يكن هناك قبل الآية الثلاثين من سورة البقرة أي نص ديني لأي دين كتابي سابق ينص على أن الإنسان هو "خليفة" لله في الأرض.
الإسلام عبر القرآن، هو أول من صرّح بذلك.
أن يكون الدين هو المحرك الأساسي لأمة ما، كان يستلزم أن يحتوي هذا الدين على عوامل إيجابية "قائدة" بالذات في رؤية الإنسان لنفسه ولدوره في الحياة.
إن الاستخلاف نفسه عبادة:
لقد امتزج المعنى من (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) مع معنى (إني جاعل في الأرض خليفة) وصار معنى العبادة مرتبطاً بالاستخلاف في الأرض، كما لو أن عبادة الاستخلاف صارت جزءاً أساسياً من عبادات هذا الإنسان الجديد.
لم تعد العبادة محض شعائر وطقوس تؤدى لله عز وجل، بل صارت عملاً يؤدى لهدف، ويقصد به خلافة لله على أرضه.
إن السياق في هذه الآية يجعل "الاستخلاف" المنصب الوظيفي الذي وكل للنوع الإنساني،

كيف فهم الجيل الأول، جيل الصحابة، الجيل الذي أعاد بناء العالم، كيف فهم هذه الآية؟
(إني جاعل في الأرض خليفة)
ذهب ابن عباس وابن مسعود في تأويل الآية، حيث نقل عنهما الطبري: إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي، وذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه.
الاستخلاف فرض عين لا فرض كفاية: الآية 30في سورة البقرة ألغت ذلك الفارق الوهمي بين فرض العين وفرض الكفاية، صار العبء الإنساني عبأ ملقى على كل فرد بعينه، لم يعد الخليفة نبياً أو رسولاً أو ملكاً أو قائداً بالضرورة، بل صار الخليفة كل فرد، صار النوع الإنساني، صار لكلٍ نصيبه من استخلاف لن تتحقق نتائجه النهائية إلا بعد أن يمر بهذه المرحلة التي يكون فيها كل فرد هو الخليفة شخصياً.

(والعمل الصالح يرفعه)
في لسان العرب صلح ضد فسد، وفسد ضد صلح.
أي أن معنى الصلاح والفساد هنا ليس ثابتاً، بل لا يعرف إلا بحالة معاكسة، حالة مضادة.
وهذا يجعل مفهوم كل من الفساد والصلاح نسبياً ومتغيراً، فما يكون صالحاً في وقت ما، قد يكون فاسداً لاحقاً في مرحلة أخرى.
فلماذا لا نفهمه في العمل الصالح؟
لماذا نستغرب عدم وجود قالب محدد وواضح يؤطر العمل الصالح، بينما من الطبيعي ألا يكون هناك شيء كهذا.
العمل الصالح أعلى وأوسع من كل القوالب المحددة. إنه الشرط الثاني الذي يحقق الاستخلاف؛ يحقق ما خُلقنا لأجله.
العمل الصالح صلاحيته مرهونة دوماً بواقع متغير، لذا يجب أن تراعى الصلاحية هذه وتتجاوز إمكانية التقادم عبر تقديم آليات ووسائل جديدة لهذا العمل الصالح لكي يكون صالحاً باستمرار.
العمل الصالح: العمل بمرتبة القبلة: كان معنى آخر يمكن استمداده من لسان العرب، يفتح لنا آفاقاً تقربنا من المعنى الحقيقي للعمل الصالح.
ماذا يقول لسان العرب عن هذا؟
يقول ببساطة ما نسيناه تماماً، معلومة جديدة بالنسبة للكثيرين وأنا منهم. يقول: إن "صالح" هو اسم علم من أسماء مكة!
هذا المعنى الأخير يربط الصلاح وكل ما يرتبط به من معانٍ بقضية "العمران" و"البناء الاجتماعي" بقضية البناء الحضاري.
عندما ترتبط كلمة "صالح" بهذه المدينة تحديداً، فإن تعبير "العمل الصالح" سيرتبط بمكة المعنى، مكة الرمز الحضاري، مكة المدينة التي يجب أن تتجه إليها حضارتنا.
وهذا سيجعل "العمل الصالح" مرتبطاً فوراً بمعنى العمل الذي يصب في حضارة "لاإله إلا الله".

وكل عمل لا يصب في ذلك، في بناء وعمران وإعمار مجتمع لا إله إلا الله، لن يكون ضمن العمل الصالح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق