كتاب الإسلام الحضاري (النموذج الماليزي)، بحث ودراسة مركز المسبار
هل الإسلام الماليزي يختلف عن الإسلام العربي؟ وإن لم يكن كذلك، فلماذا تقدمت ماليزيا وتخلف غيرها من الدول الإسلامية؟
يحاول هذا الكتاب سبر غور التجربة الماليزية، شارحاً تأثير العامل الديني الإسلامي في تطورها..
تتعدد تفسيرات ظهور الإسلام السياسي في ماليزيا؛ بعض تلك التفسيرات يعتمد على الحقبة الاستعمارية، وخبرة النضال الوطني ضد الاستعمار البرتغالي، ثم البريطاني لماليزيا، والافتراض هنا هو اعتماد فصيل من حركة التحرر الوطني الماليزية على الإسلام، واستدعاء مفاهيم الجهاد الإسلامي، ثم استمرار هذا التيار بعد الاستقلال كجزء من الصراع على تحديد الهوية.
اعتمدت بعض التفسيرات أيضاً على تأثير التفاعل بين الشرق الأوسط ومنطقة جنوب شرق آسيا، بشكل عام، على ظهور الإسلام السياسي في ماليزيا، إذ لا يمكن فصل تطور بعض الحركات الأصولية الإسلامية عن تأثير الثقافة العربية بشكل عام.
كما أن عدد كبير من الآسيويين تلقوا تعليمهم الديني في مؤسسات عربية، خاصة داخل الأزهر والمؤسسات التعليمية السعودية.
تأثر هؤلاء الطلاب خلال فترة دراستهم بالأصولية الإسلامية العربية، سواء من خلال احتكاكهم المباشر بأعضاء الحركات الإسلامية في العالم العربي، أو من خلال تأثرهم بالمناخ العام السائد في العالم العربي.
فهمالحركات الإسلامية في ماليزيا يتطلب طرح سؤالين متلازمين، الأول: ما هي مصادر ظهور تلك الحركات في ماليزيا؟
والثاني:ما هي مصادر ضعف ومحدودية الإسلام السياسي، خاصة العنيف، في ماليزيا؛ أو بالأحرى ما هي مصادر اعتدال الإسلام فيها؟
على الرغم من تحسن أوضاع المالاي بشكل كبير، فإن هذا لا ينفي استمرار حضور المشكلة العرقية في ماليزيا، ولجوء المالاي إلى الإسلام والخطاب الإسلامي كوسيلة للتعبئة السياسية لصالحهم في مواجهة الجماعات العرقية الأخرى.
كما حدث في بعض الدول العربية، حيث تم توظيف الإسلام السياسي كأداة لمحاربة الشيوعية، حدث ذلك أيضاً في ماليزيا فقد غضت الحكومات الماليزية الطرف عن الحركات الإسلامية، التي ظهرت خلال الستينيات والسبعينيات، كأداة لمواجهة المد الشيوعي.
بعض هذه الحركات قامت بتنفيذ مشروعات تنموية في مناطق مهمة بماليزيا، مما أكسبها شعبية كبيرة في هذه المناطق.
في ١٩٤٨ تم تحويل "المجلس الديني الأعلى" إلى حزب سياسي، اتخذ اسم "حزب المسلمين"، ثم تم تغيير اسمه إلى"الحزب الإسلامي الماليزي"، وقد برزت التوجهات الإسلامية للحزب في أوائل الثمانينيات، نتيجة سيطرة النخبة الدينية عليه.
وتتميز الملامح الإسلامية في تبنيه هدف إقامة دولة إسلامية في ماليزيا، وتطبيق الشريعة الإسلامية.
"جماعة المجاهدين الماليزيين" تأسست عام١٩٩٥ على يد أحد المجاهدين السابقين بأفغانستان ويدعى زينون إسماعيل، بهدف الإطاحة بنظام محاضير محمد، وإقامة دولة إسلامية تضم ماليزيا وإندونيسيا وجنوب الفلبين.
تعتمد الجماعة على استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، بما في ذلك استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.
يتصل أول مصادر اعتدال "الإسلام الآسيوي"بموقع مسلمي جنوب شرق آسيا داخل العالم الإسلامي، فرغم أن المسلمين الآسيويين يفوقون في عددهم مسلمي الشرق الأوسط، إلا أنهم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم"أطراف" ذلك العالم بمقارنة بمسلمي الشرق.
الأوسط الذين يُعدون بمثابة المركز في نظرهم، وذلك رغم الفجوة العلمية والتكنولوجية والتنموية القائمة بينهما.
شكل العلماء المسلمون في الشرق الأوسط المصدر الرئيسي للفتوى لمسلمي جنوب شرق آسيا.
تمثل جماعة نهضة العلماء التيار والمنهج الإسلامي التقليدي، القائم على الالتزام بالتقليد والاقتباس من المصادر الفقهية العربية يدون ترجمة إلى اللغة القومية، وتتم عملية الافتاء داخل الجماعة بما يعرف بعملية بحث المسائل وقد بدأت الجماعة في إعادة النظر في طرق ومنهج الافتاء ابتداء من ١٩٨٧، انتهت بإقرار المؤتمر الوطني في ١٩٩٢م بالأخذ بمبدأ الاجتهاد، والابتعاد نسبياً عن المنهج التقليدي.
ارتبطت عملية دمج الإسلام في الحياة السياسية في ماليزيا بوصول محاضير محمد إلى السلطة عام ١٩٨١. إذ تمت دعوة الحكومة الماليزية في العام ذاته، إلى البحث في كيفية الاستفادة من الإسلام وقيمه في عملية التنمية.
وفي إشارة أكثر تعبيراً عن رغبة الحكومة في دمج الإسلام في السياسات والأجهزة الحكومية، أعلن محاضير في١٩٨٤م، شعار "أسلمة الأجهزة الحكومية".
كما قام محاضير محمد بوضع عدد من السياسات للتأكيد على الهوية الإسلامية للحكم.
أبرز تلك السياسات الإعلان عن إعادة النظر في النموذج الاقتصادي الماليزي بحيث يصبح أكثر توافقاً مع قواعد ومبادئ الإسلام.
زيادة مساحة البرامج الدينية في الإعلام، بدعوى إن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن جميع المواطنين مطالبين بمعرفة القيم الإسلامية.
كما أبدت ماليزيا مزيداً من الاهتمام بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي والجهاد ضد الاحتلال السوفيتي.
يبلغ عدد سكان ماليزيا ٢٥ مليون، ويتألف من مجموعات متعددة عرقياً ودينياً ولغوياً ويشكل المالاي والسكان الأصليون٦٦٪ ويدين معظمهم بالإسلام.
كانت بداية الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على الإرهاب في عام٢٠٠١ سبباً في التوقف التام للمسيرة السياسية للأحزاب الإسلامية في ماليزيا، حيث قدمت للحكومة المبرر لتشديد قبضتها وتحجيم نفوذ وتأييد الحزب الماليزي الإسلامي.
حرص عبدالله بدوي على إضفاء القبول الجماهيري لمفهوم الأسلمة، ورفع شعار الجمع بين التحديث والإسلام، فعمل على تقديم مشروع(الإسلام الحضاري)، بالتركيز علو الإمكانيات الحضارية للإسلام، وجعله محركاً للتنمية، ومولدا للحضارة والثقافة.
يهدف برنامج بدوي إلى تحقيق جملة مبادئ تشمل: تعزيز الإيمان، وتقوية الصلة بالله تعالى، والإدارة الحكيمة لموارد الدولة البشرية والمادية، وتأكيد تمتع الشعب بحريته واستقلاله، والتمكين لقيام مجتمع المعرفة والعلم.
الملاحظ في تجارب النهوض في أي بلد أو قومية أنها تسعى للإجابة على تساؤلين كبيرين، الأول: لماذ التخلف؟ والثاني:كيف النهوض؟ وكلا السؤالين من الأسئلة الكبرى في أي عملية نهوض، ولذا كان محوراً هاما في فكر وسياسة محاضير محمد.
في كتابه "معضلة المالاي في ماليزيا"، انطلق من حقيقة أن الحكومة الماليزية لا يمكن أن تنجح في حل مشكلة المالاي، ما لم يقتنع هؤلاء بأنهم في معضلة حقيقية، وإن دور الحكومة في تحسين أوضاعهم، لا يجب أن ينتهي إلا إذا وصل المالاي إلى المستوى الاقتصادي والثقافي والتعليمي لغير المالاي في ماليزيا، لذا من واجب الحكومة إقحامهم في الأنشطة الاقتصادية.
من أهم ما يلفت النظر في فكر محاضير، هو أنه انطلق من قاعدة محلية قومية، وهي تشخيص طبيعة المشكلة التي يواجهها الشعب.
وجه محاضير اهتماما للتركيز على التصنيع الموجه للتصدير، مع تطوير الصناعات ذات الأولوية، التي يتم اختيارها على أساس الميزة التنافسية العالمية، وتطوير القوى العاملة، واكتساب قدرات تكنولوجية، بحيث تتفوق ماليزيا وتتميز صناعيا.
في رؤيته التنموية، رأى محاضير ضرورة أن تقترن التنمية الاقتصادية بتحقيق المساواة، واستحالة أن يوجد انفصام بين الجانبين، خاصة في ماليزيا التي تتسم بتعددية عرقية ودينية، وكان حريصا على التنمية في ظل هامش كبير من المساواة.
احتلت اليابان مكاناً مهما في تجربة محاضير، حيث ساهمت سياسة الاتجاه شرقا التي تم تنفيذها بتصميم وعزم شديدين طوال الثمانينيات والتسعينيات على تغيير أوجه المجتمع الماليزي، حيث تم ابتعاث الكثير من المواطنين إلى اليابان، واقتباس الكثير من أساليب الإدارة اليابانية، بل واستنساخ التجربة اليابانية نفسها حتى في طريقة تجهيز المكاتب وشكلها.
كان محاضير يرى أن نهضة اليابان راجعة إلى طباع الشعب الياباني وأخلاقياته في العمل، إضافة إلى أساليب الإدارة، ولذا كان يرى أن سياسة التوجه شرقاً لا تعني مقاطعة الغرب، لكنها تعني تعلم أخلاقيات العمل الياباني.
كان ما يقلق محاضير أن يشعر الآسيويون في دواخل نفوسهم أن قيمهم لا ترقى إلى مستوى القيم الغربية، بل تفتقد القدرة على مواجهتها، وكان يُرجع هذا الشعور النفسي إلى فترة الاستعمار الغربي لغالبية البلدان الآسيوية.
محاضير لم يكن يتحدث عن بناء دولة إسلامية في ماليزيا، ولكنه تحدث عن بناء دولة حديثة تحقق الأهداف العامة للإسلام.
كان يعتبر الإسلام ديناً منفتحا متسامحا، لذا لم يكن يشعر بنقص ما عندما يتعامل مع غيره من الغربيين أو غيرهم، ولم يحاول أن يفرض مساحة التزامه الديني والأخلاقي عليهم.
فضل محاضير على الدوام تقوية علاقاته بالدول الآسيوية بدلاً من الغربية، واعتبر أن استراليا دولة غربية تستأسد على اندونيسيا الضعيفة، وقد أيد كثير من ساسة اندونيسيا محاضير في هذا الرأي.
حينما تم تعيين عبدالله بدوي وزيراً للخارجية عام ١٩٩١، لم يكن يمتلك بيتاً في العاصمة مع أنه استلم ٣ مناصب وزارية سابقا.
فبعد خلافه مع محاضير وانعزاله العمل السياسي، اضطر لبيع منزله الوحيد حتى يدبر نفقات أسرته
عبدالله بدوي، والده وجده من أهم رموز البعث الإسلامي في ماليزيا، وقد عرف عن أسلافه أنهم من المتعمقين في علوم الدين...
أهم نقاط قوته أمانته التي يقر بها أعداؤه أيضاً، ولعل شعبيته تكمن في عدم ضلوعه في مناسبات أو أحداث أو مشاركات اقتصادية تُثير الجدل حوله، أو تُسقطه كما أسقطت غيره.
ولأن الرجل يتمتع بحس عالٍ بالمسؤولية، فقد عمد إلى برنامج طموح لإعادة غرس الحس بالمسؤولية في نفوس المسؤولين وفي نفوس أبناء الشعب، وأعاد لهم الإحساس بأن ماليزيا ليست فقط محاضير أو بدوي، بل إنها الشعب كله والأرض كلها.
طرح عبدالله بدوي مشروع الإسلام الحضاري سنة ٢٠٠٥ والذي اعتبره مشروعاً نهضوياً للأمة الماليزية.
اختلف بدوي عن محاضير في الهدوء والتوازن بينما كان محاضير مندفعاً ولكن جسوراً في الآن نفسه..
كانت ميزة تصور الإسلام الحضاري وتياره أن القائمين عليه كانوا من رجال الدولة، فقد كان صانعه تحديدا هو رئيس الوزراء الماليزي عبدالله بدوي ومفكرون مرتبطون به وبسلفه محاضير محند، مما جعله تصوراً شاملاً يحمل أبعاداً عملية وتنفيذية.
ويلح مشروع الإسلام الحضاري تحت عنوان"التطلع" أن هذا التصور الحضاري يتطلع إلى جعل ماليزيا أنموذجاً للدولة الإسلامية المثالية، أي دولة إسلامية مُتقدمة وفق معاييرها الخاصة.
بالرغم من أن هناك وعياً بأن الإسلام هو طريق الحياة، فإنه بات مجرد شعار، بل إن أغلبية أفراد المجتمع يستصعبون قبول فكرة أن نهضة الأمة وحضارة الشعب وبناء الدولة، تدخل ضمن الإطار الذي يشمله الدين كما يدعو إليه الإسلام بالفعل.
إن مبدأ الإسلام الحضاري لا يعد مذهباً حديثاً، وإنما هو وسيلة تُتخذ من أجل إعادة الأمة الإسلامية إلى أسس القرآن والسنة.
يركز مبدأ الإسلام الحضاري على التنمية وتشييد الحضارات وفق المنظور الإسلامي الشامل، ويكون ذلك بتكثيف الجهود من أجل رفع مستوى الحياة والمعيشة، من خلال الإلمام والتمكن من العلوم والمعارف، والتنمية الروحية والمادية.
من أهم المبادئ التي يرتكز عليها الإسلام الحضاري، تكوين مجتمع يتمتع باستقلالية النفس والتفكير.
ومن أبرز مميزات هذا النوع من الاستقلالية، الحرية في الإبداع والتفكير والابتكار.
تجدر الإشارة إلى أنه برغم تعدد القيادات الماليزية، إلا أن محاضير محمد الذي حكم البلاد زهاء الاثنين والعشرين عاماً (١٩٨١- ٢٠٠٣) يُعدّ بالأساس مهندس ومحرك التجربة التنموية الماليزية.
أولت ماليزيا أهمية كبرى للتخطيط الاقتصادي، حتى قبل حصولها على الاستقلال، حيث هدفت "الخطة الاقتصادية الأولية" من ١٩٥٦-١٩٦٠ إلى إحداث تطوير جذري في البنية التحتية للبلاد، ثم توالت الخطط التي أخذت على عاتقها تواصل التنمية.
ومما يذكر أن الأقلية الصينية في البلاد، كانت قد استطاعت منذ بداية الاستقلال، الاستئثار بأكبر قدر من عوائد التنمية وهو ما أثار حفيظة المالاي الذين يشكلون حوالي ٦٠٪ من التعداد الإجمالي لسكان ماليزيا.
كما تمكنت سياسة ماليزيا من التقليل من معدلات الفقر، وإن لم تتوصل إلى القضاء عليه نهائياً، حيث تراجعت نسبته من ٤٩٪ إلى ١٦٪ خلال الفترة الزمنية للخطة، وهي عشرون عاماً، كما حرصت على الارتقاء بالمناطق الريفية.
امتد مجال التنمية الاجتماعية إلى تحسين الإسكان للارتقاء بمستوى المعيشة بصفة عامة، حيث مثلت قضية الإسكان أحد أهم أولويات التنمية الاجتماعية، من خلال اتاحة الفرصة لمحدودي ومتوسطي الدخل في الحصول على مسكن مناسب.
تأكيداً على اهتمام الحكومة الماليزية بقضية التعليم، أعلن رئيس وزرائها محاضير محمد عن تشكيل لجنة برئاسته في أواخر عام ٢٠٠٢، لمراجعة نظام التعليم بالمدارس القومية.
كفل الدستور الماليزي الحق لكل مجموعك دينية أن تنشئ معاهد لتعليم ديانتها لأطفالها.
أكد محاضير على تعميق القيم الإسلامية في المناهج الدراسية بالمدارس، حيث تم ادراج الدراسات الإسلامية للطلاب المسلمين والتربية الأخلاقية لغير المسلمين، وتأكيد القيم الإسلامية في العلم، وألغى تدريس نظرية دارون من المناهج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق