الأربعاء، 14 أغسطس 2013

كتاب أعظم سجين في التاريخ





كتاب: أعظم سجين في التاريخ

المؤلف: د. عائض القرني

دار النشر: العبيكان

عدد صفحات الكتاب:  175
يقول الدكتور عائض القرني في مقدمته للكتاب، اخترت سورة يوسف؛ لأنها من أعظم القصص، حتى قال بعض أهل العلم: إنها أعظم قصة سمعنا بها، قال سبحانه: (نحن نقص عليك أحسن القصص).


قالو سورة يوسف أحسن القصص: لأن فيها من قصص الأنبياء والرسل - عليهم السلام - والملوك والتجار والفقراء والشدة والفرج والغنى والفقر، وذكر الفاحشة والعفاف، والرؤيا المنامية...، وقالوا أحسن القصص لأن كل ما جاء فيها عاد إلى أحسن حال.

قد يكون من غير أهل العرب أهل فنون أكثر منا، أو أهل حضارة أكثر منا، أو أهل تأليف أكثر منا، لكن العرب بالذات أهل فصاحة وبيان.

قال تعالى: (إنّا)، قدم الضمير تشريفاً لما سوف ينزله لتنصت الأسماع لهذا الكتاب المنزل المبارك على رسوله عليه الصلاة والسلام.

(إنّا أنزلناه) ولم يقل خلقناه وهو رد على المعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن، بل كلامه سبحانه وتعالى منزل تكلم به، وليس مخلوقاً.

(قرآناً عربياً)، وهنا وقفة مهمة، فمن صفات هذا الكتاب إنه عربي، قالوا: فأحسن اللغات، وأوسعها في المعاني وأكثرها تبياناً للفهم، وإيصالاً للمعلومة، وإيقاظاً للذهن هي اللغة العربية.
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: من حب الإسلام أن تحب العربية؛ لأنها لغة القرآن، ولغة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنزل بها الوحي.

ابن تيمية عندما كان عمره ثماني سنوات، كان يمرغ وجهه في التراب ويقول: يا معلم إبراهيم علمني، يا مفهم سليمان فهمني..

(لعلكم تعقلون)، هذه رسالة موجهة لمن يعقل، (نحن)، ليس أحد غيرنا، لا مؤلف كتب ولا لفيلسوف، حق له سبحانه أن يعظم نفسه وهو العظيم.

في السند الحسن: "كان عمر إذا صلى بالناس وبلغ قوله (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)،انهار باكياً في صلاة الفجر فبكى المسلمون.
قالوا: " ومن أتته مصيبة فقرأ سورة يوسف وجد منها من الفرج ومن الرزق ما الله به عليم".

ابن جرير يُسأل في التفسير: لماذا ذكر الله سورة يوسف، وقصها للناس؟
وذكرُ الذنبِ الذي تعرض له يوسف عليه السلام، قال: "ليكون أسوة لكل من وقع
في مثل ذلك، ولكل من وقع في كُربة وكل من وقع في مصيبة، وفي هذا الموقف
الضنك فهذا قدوة وإمام لهم عليه السلام".

قالوا: " ومن أتته مصيبة فقرأ سورة يوسف وجد منها من الفرج ومن الرزق ما الله به عليم".
والله ميز بعض الأنبياء على بعض بشيء، مثل داود أعطاه الصوت الذي يسلب الألباب، وأتى محمد صلى الله عليه وسلم المقام المرفوع.
يقول العلماء: نام يوسف تلك الليلة، فرأى رؤيا في المنام، فقام الطفل وذهب إلى أبيه، وقال: (يا أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكبا...)
فعرف يعقوب عليه السلام الأمر لأنه كان يُعبر الرؤى، فقال له: انتبه لا تقل لإخوانك شيئاً عن هذه الرؤيا؛ لأنها رؤيا عظيمة.
(إن الشيطان للإنسان عدو مبين)، قال: إن هذا الحسد من الشيطان، هناك شيطان سول لهم وأملى لهم، وليس من طبيعة إخوانك فهم أهل خير.
(وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث)، قال بعض المفسرين: يعلمك من النبوة، أو العلم النافع أو تعبير الرؤيا وكله حصل.
كان الحسن البصري يبكي إذا قرأ سورة يوسف ويقول: لا إله إلا الله، كم ارتكبوا من العقوق، عقوا أباهم وأبكوه وأحزنوه، وأخذوا أخاهم أسيراً ووضعوه في الجب، ثم كذبوا على أبيهم، وغير ذلك إلى أن سألوا أباهم أن يستغفر لهم من أكرم الأكرمين الواحد الأحد.
(إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)، قال أهل العلم: لا يوجد أشد حباً من الرجل إذا تعلق بابنه فهو يصبح كالطفل إذا تعلق بأمه أو أشد.
(وتكونوا من بعده قوماً صالحين) قال أهل العلم: وهذا أملهم بالله ودليل على أنهم ما زالوا قريبين منه سبحانه..
(لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب)، في جب يعني بئر محفورة وليس لها جدار، سبحان الله ما أقسى قلب الحاسد! يأتون بأخيهم ويضعونه في بئر في ظلام الليل وبين الذئاب والوحوش، بعيد لا أهل ولا أنيس، ولا طعام ويكون البئر بلا جدار حتى لا يصعد منه.

خروج يوسف مع إخوانه لن يكون مستنكراً عند يعقوب، ولو كان مستنكراً لمنعه من الخروج واللعب معهم، إنما خاف عليه.

لما ذهبوا بيوسف عليه السلام ودعه أبوه، قال أهل العلم: فلما ذهبوا بيوسف، أخذوا يقبلونه ويقولون يا أخانا لا تخف نحن معك نحن إخوانك؛ لأن النبي عليه السلام كان واقف أمامهم، اطمأن على ابنه، فلما غابوا عنه في الجبل أخذوا يبصقون في وجهه، هذا يجره، وهذا يُقيده، وهذا يقول له: تحرك امش أسرع هذه ألفاظهم المقصودة المعنى في ألفاظ القرآن.

فلما وصل إلى القاع وصل إلى صخرة ليست بالماء فقطعوا الحبل، لكن حبل ذي الجلال والإكرام موصول، وفي الليل مع صلاة المغرب وضعوه. فأوحى الله إليه وهو طفل " أنا معك يا يوسف" وهي المعية الخاصة، معية الله بالحفظ والرعاية كما قال أهل السنة.

(وقال الذي اشتراه من مصر لأمرته أكرمي مثواه)، قال ابن مسعود عند هذه الآية: أفرس الناس ثلاثة: العزيز لما قال لأمرته أكرمي مثواه، فهي فراسة وأتت فيما بعد أنه نبي وملك، والثاني بنت شعيب عندما قالت لأبيها عن موسى: استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. والثالث: أبو بكر حين اختار عُمر للخلافة "رضي الله عنهما".
(والله غالب على أمره)، هذه قاعدة وسنة ثابتة، قالوا: الله أمره يغلب كل أمر، وتنفذ مشيئته على كل مشيئة، فمن ذلك أن يعقوب عليه السلام قال لابنه: (لا تقصص رؤياك)، فغلب أمر الله فقص رؤياه.
(لولا أن رأى برهان ربه)، فلما رأى برهان ربه لم يقدم بل أحجم واستغفر، فما هو برهان ربه؟ قالوا رأى صورة يعقوب أبيه وهو يعض إبهامه. وهذا بعيد، والصحيح أن برهان ربه واعظ الله في قلبه، ومعرفة الحلال والحرام، وقيام الدليل على قبح الزنا.

(يوسف أعرض عن هذا)، يقول ليوسف: أرجوك لا تحدث بذلك؛ لأن القصر له احترام مخصوص، والبيوت لها أسرار، أرجوك لا تتحدث عن هذا..
يقول المفسرون: إن الخبر لم يكتم لكن ليس من يوسف، بل من الحرس والخدام والحجاب انتشر الخبر في مصر بسببهم.
(إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله)، قيل: يقصد أهل القصر؛ لأنهم كانوا وثنيين لا يؤمنون بالله، فأن تركتهم بالقصر وجئت إليكم.
(أما أحدكم فيسقي ربه خمرا)، وفيها أن الرؤى تُعبر للناس إذا لم يكن فيها مضرة.
(قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، صدقوا أو لا تصدقوا هذا الأمر الذي أطلعه الله عليه؛ لأنه نبي؛ فأصبحت عبارات القرآن قواعد من البلاغة والبيان تنشر وتحفظ بين الناس. وذلك لأن الله أطلعه عليها، وقيل: لم يكذب في رؤيا عبرها عليه السلام.

قال ليوسف: أيها الصديق، يقول أهل العلم: كيف عرف أنه صديق؛ لأنه عاشره سبع سنوات في الحبس، فرأى صدقه وأمانته وأخلاقه..
(وقال الملك ائتوني به)، لأن تعبير الرؤيا رغب الملك فيه؛ جاء الرسول يسعى إلى فتح الباب، قال: يوسف عليه السلام: لا لن أخرج..
يقول العلماء: انظر إليه في جانب تبرئته في عرضه، ثبت وفي جانب الخروج، قال: اذكرني عند ربك، لا تنس تآخينا في السجن.

(قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة)،لماذا تآمروا علي، هل أنا فعلت ذلك؟ إما أن تأتي براءتي على رأس الملك والدولة وإلا سأبقى.

(قالوا يا أبانا ما نبغي)، أكرمنا وأنزلنا قصره، وزاد لنا في الكيل، رد الثمن، والله لا يمكن للإنسان أن يبغي من وراء هذا شيئاً.

(وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد)، قال مجاهد: خوفاً من العين والله أعلم، خاف عليهم لكثرتهم ولجمالهم.

(فأسرها يوسف في نفسه)، وهذا من الذكاء والدهاء والحكمة، ألا تستفزك المواقف المغضبة فتخرج كلاماً ليس فيه مصلحة لك.

(وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)، ذكر ابن الجوزي في زاد المسير، قال: يعقوب يبكي بين يدي ربه وهو يصلي ويسجد لربه، يا رب ارحم شيبتي، ارحم ضعفي، ارحم ابيضاض عينوني، فأوحى الله إليه يا يعقوب وعزتي وجلالي وارتفاعي على خلقي، لو كان ابناك ميتين لأحييتهما لك، فردهم الله سبحانه وتعالى عليه.

(إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)، ما الذي يعلمه يعقوب عليه السلام من الله ما لا يعلمه أبناؤه؟ قال أهل العلم: أعلمه جبريل أن ابنك يوسف محفوظ وسوف تجتمع فيه. وقال الثاني: عُلّم أن الله عز وجل لن يخذل يوسف، ولن يتركه.

(لا تثريب عليكم اليوم)، قالوا: الكريم: لا يثرب، وإذا عفا الكريم عفا، فلن أُعاتبكم غداً.
(إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون)، أخشى أن تسفهوني، وإلا أنا ما أنكرت شيئاً، وما خانني يقيني، وما خانني ظني.

(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث)، قال: من الملك، ولم يقل: الملك كله؛ لأنه لم يحكم إلا مصر فقط، كذلك لم يعلمه تأويل الأحاديث كلها بل علمه كثيراً منها، وإلا فالعلم المطلق للواحد الأحد جل في علاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق