الجمعة، 27 ديسمبر 2013

كتاب كيف بدأ الخلق؟





كتاب كيف بدأ الخلق
د. عمرو شريف
دار الشروق للنشر
الطبعة الثانية ٢٠١٢

كلما تأملت قول الحق عز وجل: (سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..)
أدركت أننا نحيا في زمان هذه الآية، نحن في زمن صارت فيه مكتشفات العلم من أكبر الأدلة على وجود الله الخالق عز وجل وإدراك بعضاً من صفاته.
وبذلك صار العلم الحديث باباً واسعاً لفهم العقيدة الصحيحة كما أنبأنا القرآن الكريم.
وقد كان طرح هذا المفهوم والاستشهاد على صحته أحد الدوافع لإخراج هذا الكتاب.

(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)
كان الثلاثة الكبار من فلاسفة اليونان القديم "سقراط، وأفلاطون، وأرسطو" من المؤمنين بوجود الإله الخالق للكون.
ولما كان العقل الفلسفي في ذلك الحين "وحتى الآن عند الكثيرين من الفلاسفة" عاجزاً عن تصور إمكانية "الخلق من عدم" فقد لجأ أرسطو إلى القول بوجود "مادة ليست كالمادة" وأسماها "الهيولى" أصل الوجود، وقال بأن هذا الهيولى قديم أزلي، خلق الإله منه الكون، أي أن دور الإله هو تشكيل الهيولى وتنظيمه، وليس إيجاد الوجود من العدم، ولم يبين لنا أرسطو كيف وُجد هذا الهيولى.
وعلى العكس، وجدت هذا التساؤلات التي حيرت الفلاسفة بعقولهم الجبارة أجوبتها ببساطة ووضوح في "الوحي الإلهي" بعد أن تكفل الله عز وجل ببيان أمور الغيب للإنسان، "ومنها الخلق والعدم".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شيء غيره". رواه البخاري

"قصة خلق الكون؛ للكون بداية"
طرح الإمام الغزالي "في إطار علم الكلام" ما يعرف باسم "البرهان الكوني" للاستدلال على أن للكون خالق، ويتكون البرهان من مقدمتين ونتيجة:
- كل ما له بداية له سبب.
- الكون له بداية.
إذاً الكون له سبب "خالق".
ولاثبات أن للكون بداية، استند الإمام الغزالي إلى دليل الفلسفة والرياضيات، الذي يؤكد أنه "من المستحيل أن يكون هناك قِدم لا نهائي، أي أن الماضي لابد أن تكون له بداية".
وعندما وضع اينشتاين نظريته النسبية العامة ١٩١٥، أظهرت حساباته أن الكون إما يتمدد أو ينكمش، مما يعني أنه لا يمكن أن يكون أزلياً، ولابد أن تكون له بداية.
أظهرت الحسابات التي أجراها الفيزيائيون الرياضيون على قوى الجاذبية الموجودة في الكون أن المجرات وكل ما نرصده من مادة لا تمثل إلا ٤٪ من كتلة الكون.
أما الباقي ٩٦٪ فهي طاقة ومادة غير مرئي، أسموها الطاقة السوداء، وتمثل النيوترينوات ربع هذه المادة. وتعتبر الطاقة السوداء أهم القوى المسؤولة عن تمدد الكون.
لطالما ساد الاعتقاد الخاطئ بأن الكون الذي نحيا فيه قديم أزلي وسيبقى إلى الأبد. وأنه كون لا نهائي، أي لا تحده حدود، وأنه كون ساكن، ثابت في مكانه، لا يتغير... وغير ذلك من الخرافات والأساطير.
في هذا الوقت جاء القرآن مؤكداً أن الكون مخلوق له بداية، وستكون له في يوم من الأيام نهاية. ومؤكداً أن جميع أجرام السماء في حركة دائبة، وأن السماء ذاتها في توسع دائب إلى أجل مسمى.
كما أن السماوات والأرض كانتا في الأصل جُرماً واحداً ففتقهما الله تعالى فتحولت مادة هذا الجرم الأول إلى الدخان، الذي خُلقت منه الأرض والسماء.
كذلك فإن هذا الكون سيطوى ليعود كهيئته الأولى جرما واحدا مفردا يتفتق مرة أخرى إلى غلالة من الدخان تخلق منها أرض غير أرضنا الحالية، وسماوات غير السماوات التي تظلنا في حياتنا الدنيا..

هل شمسنا نجم كباقي النجوم؟ لا، إن لشمسنا خصوصية وتفرد.
فبالإضافة لوقوع شمسنا في المنطقة القابلة للسكنى من مجرتنا، ولتوافر العناصر الثقيلة في الكواكب التابعة لها، تعتبر شمسنا ضمن أكبر ١٠٪ من نجوم المجرة، وهذه ميزة كبيرة جعلتها مهيأة لاحتضان الحياة في أحد كواكبها.
إن شمسنا مثالية الموقع والمدار في المجرة، مثالية الكتلة، مثالية الإضاءة "نوعها وشدتها"، إنها مثالية تماماً لميلاد واستمرار الحياة على كوكبنا.
هل تصدق أن أكبر كواكب المجموعة الشمسية "المشتري الذي يكبرنا بمقدار ٣٠٠ مرة ومعه أورانوس وزحل" تجذب إليها المذنبات التي تهاجم المجموعة الشمسية، وبالتالي تحمي منها الأرض وباقي الكواكب القريبة من الشمس.
وبنفس الآلية، يحمي كوكب المريخ جارته الأرض من اصطدام صخور حزام الكويكبات الذي يقع بينه وبين المشتري.
هل وضعت هذه الكواكب في مداراتها لتحمي كوكبنا، الأرض؟!
"أعجوبة الماء"
الماء هو السائل الوحيد الذي تقل كثافته بالتجمد!، لذلك يطفو الثلج على سطحه. وفي الدائرتين القطبيتين يحجب الثلج الماء الذي تحته، فتظل حرارته دون درجة التجمد، وتبقى الأسماك والحيوانات المائية على قيد الحياة.
والأرض هي الكوكب الوحيد في مجموعتنا الشمسية الذي يحتوي على الماء بحالاته الثلاث "الغازية، السائلة، الصلبة".
"لقد تم بناء الكون على هيئة تجعله ملائماً تماماً لنشأة الإنسان"
يرى العلماء والفلاسفة الماديون أن بداية نشأة الكون كانت تلقائية، وأن انتقاله من مرحلة إلى مرحلة كان يتم بعشوائية، أو تبعاً لما تفرضه قوانين الطبيعة، لذلك يعتبرون القول بأي قصد وراء خلق الكون "وهو ما يعرف بالغائية" خروجاً صريحاً على العلم.
وفي المقابل، يؤكد الفيزيائيون المؤمنون أن كل ثوابت الكون التي تبدو عشوائية وغير مترابطة تتفق في أنها منضبطة من أجل أن تجعل الكون معداً لظهور الحياة؛ لذلك يعتبرون أن ما في بنية الكون من توافق مذهل مع احتياجات الإنسان دليل على "الغائية"، التي تعني أن الإله الخالق قد صمم الكون على هذه الهيئة ليكون مناسباً لنشأة الحياة بصفة عامة، ونشأة الإنسان بصفة خاصة، ويعرف هذا المفهوم "بالمبدأ البشري".
وكلما ازدادت معارفنا عن نشأة الكون وبنيته، تكشف لنا بشكل أكبر مدى مواءمة هذه النشأة والبنية ومواءمة قوانين الكون الفيزيائية لبزوغ الحياة.
حتى يمكننا القول بأنه إذا لم يكن الإنسان في المركز المادي للكون، فإنه بلا شك في المركز الغائي منه.
أما المعارضون لوجود الإله الخالق، فيرون أن مجرد وجودنا في الكون دليل بديهي على أن بنيته مناسبة لنشأة الحياة ونشأتنا، وإلا لما نشأنا، ومن ثم لا يعتبرون ملاءمة الكون لنشأتنا دليلاً على أمر غيبي.
لذلك يرفض هؤلاء فكرة أن الكون قد تم تفصيله على مقاس الإنسان، ويرون بدلاً من ذلك أن قوانين الطبيعة قد فصلت الإنسان ليتناسب مع بنية الكون.
هل البرهان الكوني والمبدأ البشري أوهام متدينين؟!
إذا كان المعترضون على "المبدأ البشري" يعتبرون أن وجودنا في الكون ليس إلا نتيجة طبيعية لملاءمة بنيته لنشأة الحياة، وليس دليلاً على قصد الخالق، فقد فات هؤلاء المعترضين أمران:
١- أن العالم ليس مجهزاً لظهور الحياة وحسب، ولكن لخروج كائنات حية ذكية منطقية، ترصد وتفهم هذه المواءمة.
٢- غزارة ما في الكون من توافق يفوق احتياج الكائنات الحية ويحقق لها الرفاهية والاستمتاع، وخاصة الإنسان ذا الاحتياجات النفسية المتميزة..

مثلما كان الوجود ضيفاً على العدم، فإن الحياة ضيف جديد تماماً على الوجود.
"انطونيو لازكانو"
عندما نسأل المتخصصين عن أصل الحياة، يسارع معظمهم بالحديث عن المواد الكيميائية والظروف الفيزيائية التي سبقت ظهور الكائنات الحية ويطرحون النظريات لتفسير نشأتها "المستوى البيولوجي"، لكنهم لا يتعرضون لأصل الحياة بالمعنى الوجودي، وهو كيف اكتسبت جزئيات المادة غير الحية السمات المميزة للخلية الحية.
تعتبر معرفة كيفية نشأة الحياة من المادة غير الحية من أصعب التحديات التي تواجه العقل البشري، وقد طرح العلماء المهتمون بهذه القضية العديد من التصورات شديدة التباين لتفسير هذه المعضلة. تصورات تتراوح بين نظرة مغرقة في ماديتها، تنكر التدخل الإلهي في الخلق، وبين نظرة ترى أن نشأة الحياة قضية غيبية صرفة لا ينبغي البحث فيها.
إن الخطوة المهمة في نشأة الحياة، في شكلها الحالي، تتمثل في الحصول على جزئ قابل للتوالد الذاتي، الذي هو جزئ ال دي إن إيه.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فال دي إن إيه جزئ بالغ التعقيد، ويحتاج لكي يؤدي عمله "كشفرة وراثية" إلى مساعدة الإنزيمات "بروتينات".
وهذا يقودنا إلى موقف شبيه بموقف البيضة والدجاجة، أيهما أولا؛ لكي نحصل على بروتينات يجب أن يكون لدينا أولاً دي إن إيه يشفر لبنائها ولكن لكي يؤدي ال دي إن إيه عمله يجب أن يكون لدينا أولاً بروتينات "الإنزيمات".
وقد وضع الباحثون المهتمون بأصل الحياة عدداً من النظريات للخروج من هذا المأزق.
ومع تباين نظريات نشأة الحياة فقد اتفقت جميعها على أن الحياة قد استقرت على سطح الأرض بعد أن اكتمل تكوين:
١- جزئيات الحياة: RNA - DNA- البروتينات.
٢- آلية تخليق الغذاء بالتمثيل الضوئي باستخدام الأصباغ، في الخلايا النباتية.
٣- آلية الحصول على الطاقة من الغذاء عن طريق الميتوكوندريا، في الخلايا الحيوانية.
إذا عدنا إلى القرن ال١٩، نجد أن دارون لم يكتب شيئاً ذا بال عن أصل الحياة، ولم يطرح تفسيراً بيولوجياً لها.
بل أقر أنه لا يتصور أن الحياة قد ظهرت في الخلية تلقائياً، ولا بد لبداية الحياة من خالق.
"السيرة الذاتية بقلم دارون"
لقد أصبح من يتمسك بمنظور العشوائية والصدفة في تفسير نشأة الحياة لا يثبت إلا جهله الشديد بقوانين الصدفة وأيضاً بعلم البيولوجيا.
لذلك فإن معظم العلماء الماديين المهتمين بأصل الحياة "منذ ستينيات القرن ال٢٠" يرفضون منظور الصدفة، وإن كان عوام البيولوجيين مازالوا يعتقدون أننا لو تركنا الأحماض الأمينية معاً لمدة ملايين من السنين فستبزغ الحياة!

"ماهية الحياة"
إن من يتصور أن الحياة يمكن أن تنشأ تلقائياً في المادة غير الحية، يجهل الكثير عن حقيقة المادة وحقيقة الحياة.
"جيرالد شرويدر"
تعلمنا في صغرنا أن إدراك المشكلة هو نصف الطريق لحلها، ولا شك أن خبراتنا الحياتية تؤكد هذا المعنى.
أما بالنسبة للحياة، فالعكس هو الصحيح!
فكلما تعمقنا في دراستها، كلما كبرت مشكلة التوصل إلى معرفة ماهيتها وأصلها!
ومن الأسباب الرئيسية لصعوبة فهم الحياة أن الفكر المادي عندما قام بدراسة الحياة استخدام "المنهج الاختزالي'، الذي يقوم بتحليل أية ظاهرة أو قضية إلى عناصرها الأولية، ثم دراسة كل عنصر على حدة.
لذلك قام البيولوجيون عند دراسة ظاهرة الحياة بتحليل الكائن الحي إلى عناصره: أجهزة الجسم ثم الأنسجة ثم الخلايا ثم الجزئيات العضوية ثم الذرات ثم المكونات تحت الذرية "البروتينات، النيوترونات، الإليكترونات"
وقالوا لنا لم نعثر إلا على مادة، ليس هناك إلا المادة لتفسير الحياة.
لقد فات هؤلاء أن ظاهرة الحياة التي يدرسونها بمنهجهم الاختزالي تكون قد اختفت تماماً عندما قاموا بعملية الاختزال والتحليل.

يضعنا "جورج جونسون" في كتابه "هل كان دارون مصيباً؟"، أمام مفارقة قوية الدلالة فيقول: إذا هبطت علينا من الفضاء الخارجي أسطوانة مدمجة CD تحمل المعلومات المسجلة في شفرتنا الوراثية، فسيجزم الجميع على الفور أن هذا دليل قاطع بنسبة ١٠٠٪ على وجود ذكاء خارج كوكب الأرض. لكن عندما نقابل هذه المعلومات مسجلة في DNA الكائنات الحية يصمم الدراونة على أنها نتاج العشوائية والصدفة!
لقد تبدلت النظرة لنشأة الحياة والكائنات الحية بنهاية القرن ال٢٠، فلم يعد أحد من البيولوجيين المحترمين يعتقد بأن المادة والطاقة يمكن أن تعطي حياة!
بل هي معلومات، ولن يكون للمعلومات مصدر إلا الذكاء، الذكاء المطلق الذي لا يتوفر إلا للإله الخالق.
إن مشكلة الدراونة أنهم ما زالوا يطرحون مفاهيم دارون القرن ال١٩ في القرن ال٢١.
لا شك أن دارون لو كان معنا لما قال بالتطور العشوائي لتفسير تنوع الكائنات، ولا بالتطور الكيميائي لتفسير ظهور الحياة.
إن الشفرة الوراثية الموجودة في جميع الكائنات الحية، من أدناها "البكتيريا" إلى أرقاها "الإنسان"، لا يمكن أن تكون محصلة كمية للصفات الفيزيائية والكيميائية لعناصر مكوناتها ليس فقط لما عليه هذه المكونات من تعقيد البنية والوظيفة، لكن لأن مكونات هذه الشفرة تعمل بصورة متناغمة تحتم أن تكون قد انبثقت إلى الوجود متكاملة، منذ الخلية الأولى، ولم يتم التوصل إليها تدريجياً.
إنها الحياة الذكية وراء نظام التشفير المبهر، ويعبر بول ديفيز، عن ذلك في دقة وبساطة بقوله: "إن استخدام نظام التشفير في كتابة لغتي الحياة (الأحماض النووية والبروتينات) ثم في نقل المعلومات بينها يعتبر أمراً شديد الإلغاز، بل يعتبر معجزة، إذ كيف تستطيع تفاعلات كيميائية لا بصيرة لها أن تقوم بذلك".
من السمات الأساسية المميزة للحياة أن الكائنات الحية غرضاً أو هدفاً متأصلاً في بنيتها وهو "المحافظة على وجودها"، وهو هدف لم يكن موجودا في المادة غير الحية التي نشأت منها هذه الكائنات. وعندما لاحظ أرسطو هذا العلاقة، عرّف الحياة بأن يكون الشيء حريصاً على وجوده.
ويعين على تحقيق هذا الهدف الأساسي أهداف أخرى ثانوية تدفع الكائن الحي وتوجهه في حياته، وأهمها بلاشك التكاثر، ثم الاغتذاء والحركة وغيرها.
وقد جُعل هدف "المحافظة على الوجود" وكذلك الأهداف الثانوية التي تخدمه فطرة غريزية، حتى أصبحت الحياة سمة قوية هادرة تفرض نفسها في الكائنات الحية!
لا شك أن البيولوجيين والفلاسفة الماديين يواجهون عند دراستهم لأصل وماهية الحياة مأزقاً علمياً فلسفياً لا يحسدون عليه، وهو مأزق ذو جوانب متعددة لم يقدموا تفسيراً لأي منها:
١- من أين اكتسبت الشفرة الوراثية المعلومات الضرورية لظهور واستمرار الحياة؟
٢- من أين اكتسبت المادة غير الحية آلية التشفير ومعالجة المعلومات المميزة لجميع الكائنات الحية؟
٣- من أين اكتسبت المادة غير الحية الغائية (أي أن يكون لها هدف وتوجه) حتى تصبح كائناً حياً؟
٤- من أين اكتسبت المادة الحية الأولية القدرة على التكاثر، هذه القدرة اللازمة لاستمرار الأنواع، وكذلك لترقيها في سلم التطور؟
يقول عالم الفيزياء النووية جيرالد شرويدر: إن مجرد وجود الظروف الملائمة لنشأة الحياة، لا يفسر لنا كيف نشأت. نستطيع أن نقول (على أحسن تقدير) إن هذه الظروف "سمحت" بنشأة الحياة واستمرارها على كوكبنا، ولكن كل قوانين الطبيعة التي نعرفها مجتمعة لا يمكن أن تفسر نشأة الحياة من المادة غير الحية.

تصور الداروينية الكون باعتباره مصنعاً لإنتاج كل هذه الكائنات المتنوعة، لكننا ما زلنا في حاجة لتفسير كيف نشأ هذا المصنع وكيف يدار.
"ريتشارد سوينبرن"
ينقسم المعترضون على نظرية التطور الدارويني (تطور الكائنات الحية عن طريق الانتخاب الطبيعي بعد حدوث طفرات عشوائية بالصدفة) إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: تنكر حدوث التطور كلية، وتؤيد مفهوم الخلق الخاص الذي قام به الإله الخالق لجميع أنواع الكائنات، كل على حدة، ويطلق على القائلين بذلك اصطلاح "الخلقويون".
المجموعة الثانية: تقر بحدوث التطور، ولكنها ترى أن العشوائية والصدفة لا يمكن أن يفسرا حدوثه، وتمثل هذه المجموعة من العلماء مدرسة التطور الموجه.
يدعي الداروينيون أن نشأة الحواس الخمس "الأبصار، السمع، الشم، الذوق، اللمس" أمر سهل، باعتبار أن دورها سلبي في الكائن الحي، وهو الاستقبال فقط.
لذلك يسودون مئات الصفحات يشرحون فيها كيف تتحول عشوائياً بعض خلايا الجلد إلى عين مبصرة، ولم لا؟!
إن كليهما "الجلد والعين" نشأ من طبقة واحدة في الجنين "تعرف بالإكتوديرم".
إن دراسة أمينة متعمقة للتعقيد المذهل لهذه الحواس، ومقدار ما في أعضائها من توافق مبهر بين البنية والوظيفة، يرينا دون أدنى شك سذاجة وانحياز مثل هذا التفكير.
"ابهار التعايش بين نوعين"
والمقصود بالتعايش أن يحيا كائن مع كائن آخر يتبادلان المنفعة. ومن الأمثلة العديدة في الطبيعة نأخذ مثالين:
١- التعايش بين شجرة الأكاسيا وأسراب النمل.
منذ حوالي مائتي مليون سنة، وقعت ملكة النمل مع ممثل لأشجار الأكاسيا اتفاقاً تتعهد فيه الأشجار بتقديم ثلاث خدمات للنمل:
- يسمح لأسراب النمل بحفر أنفاق في جذع وفروع الشجرة لتأوي إليها.
- تقدم الشجرة للنمل غذاء من مادة سكرية تفرزها الأوراق.
- تقدم الشجرة غذاء لصغار النمل من مادة بروتينية تجمعها الشغالات لتطعم بها الصغار القابعة داخل الأنفاق.
وفي مقابل المأوى والغذاء اللذين تقدمهما الأكاسيا بعد معرفة تامة بمزاج النمل وعاداته السكنية والغذائية، يلتزم النمل بالقيام بحماية وحراسة الأكاسيا!
كيف؟
- عند اقتراب أي عدو من الشجرة "زرافة، قرد..." لأكل أوراقها وثمارها، وبمجرد أن تهتز فروع الشجرة، تخرج أسراب النمل لتقرص المعتدي وتدفعه للهرب.
- إذا كان المعتدي نباتاً متسلقاً، يقوم النمل بقرض الزوائد التي يتعلق بها النبات المتطفل في الشجرة، فلا يستطيع تثبيت نفسه، ويسقط على الأرض.
- لا يسمح النمل بنمو أشجار أخرى في دائرة قطرها عشرون متراً حول الشجرة الصديقة، حتى لا تشارك جذور الأكاسيا الغذاء ولا تحجب عن أوراقها الشمس.
هل تمت صياغة بنود هذا الاتفاق بالصدفة؟
وكيف تم نسخ شروطه من الشفرة الوراثية لكلا الكائنين؟
٢- التعايش بين الحيوانات آكلة العشب والبكتيريا
تحتاج الحيوانات آكلة العشب لبكتيريا معينة للقيام بهضم مادة السيليولوز التي تتكون منها ألياف غذائها النباتي.
وتحصل الحيوانات على هذه البكتيريا التي تجد لنفسها المأوى في معدة الحيوان مع أول وجبة عشب تأكلها.
ماذا يحدث لو انقرضت هذه البكتيريا؟
حتماً ستموت الحيوانات آكلة العشب، وبالتالي ستموت الحيوانات اللاحمة التي تتغذى عليها، وفي النهاية ستكون حياة الإنسان في خطر حقيقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق