الاثنين، 20 يناير 2014

كتاب أوراق مغربية "يوميات صحفي في الأمكنة القديمة"


أوراق مغربية، "يوميات صحفي في الأمكنة القديمة"
 لنواف القديمي، دار النشر: وجوه، (١٥٩) صفحة

في رحلتي هذه إلى المغرب وتونس لم أكن أدون يومياتي بقصد النشر، رغم التجربة المفيدة والمثيرة التي عشتها في هذه الزيارة، والسبب في ذلك يرجع إلى أنني كنت أنوي بعد عودتي من هذه الرحلة بقرابة الشهرين أن أقوم برحلة أخرى إلى إيران، بحيث ألتقي فيها عدداً من الشخصيات الدينية والسياسية والثقافية، وعدداً من المدن الإيرانية الشهيرة، وكنت أنوي أن أسجل يوميات هذه الرحلة بشكل ملائم للنشر، ولهذا السبب لم أكن أرغب في أن أنشر كتابين اثنين عن رحلتين قمت بهما في زمن متقارب.
لكن طلب زيارتي لإيران رُفض، وبعد إلحاح أخبرني الموظف أني موضوع على قوائم الممنوعين من دخول إيران!
حاولت في هذه اليوميات أن أرسم شيئاً من ملامح المشهد الثقافي والسياسي في هاتين الدولتين، وأن أشير إلى صفحات من دفاتر الحالة الإسلامية فيهما، وأن أدون نزراً من التاريخ، وبعضاً من الجغرافيا، ولقطات من شريط حياة الإنسان المنهك والبسيط..
لزيارتي إلى المغرب هدفان رئيسيان:
١- حضور المؤتمر أو الندوة، التي ينظمها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان بالمغرب.
٢- الالتقاء بعدد من الباحثين والمؤلفين وذلك لفتح مجالات تعاون مستقبلي في مجال النشر.
ساعة وصولي إلى مطار الدار البيضاء، استلمت حقائبي الممتلئة بالكتب - لكوني أخذت معي مجموعة كتب أنوي إهداءها لبعض الباحثين الذين سألتقيهم - لم أكن أفكر في موضوع التفتيش على الإطلاق.
وعندما وصلت إلى نقطة التفتيش وعرف الضابط أن حقائبي تحتوي على بعض الكتب، قال لي مباشرة: ممنوع إدخال الكتب دون رخصة من وزارة الثقافة!
في السعودية اليوم لا يكادون يمنعون أي كمية كتب تقدم بها إلى المطار، ولو كنت تحملها في كراتين كبيرة، فكيف يتم مثل هذا في المغرب، بلد التعددية الحزبية والعمل السياسي المفتوح؟!
أديت صلاة الجمعة في مسجد الحسن الثاني، ورغم أننا في السعودية معتادون على رؤية كثير من المساجد الضخمة والفخمة، بشكل لم أكن أظن معه أنني سأرى ما يبهر، إلا أنني لم أستطع منع نفسي من التأمل بروعة المكان طيلة مدة جلوسي لسماع الخطبة.
بلغت كلفة بناء مسجد الحسن الثاني عدة مليارات من الدراهم، وكان إنشاؤه أشبه بتحدٍ كبير للدولة المغربية، وذلك بسبب كلفته المالية العالية.
لذا فقد ساهم كل الشعب المغربي في تحمل كلفة إنشائه، وذلك عبر التبرعات التي كانت تجمع على مدار بضع سنوات، إضافة إلى الاقتطاعات الشهرية من رواتب الموظفين الحكوميين للمساهمة في تغطية تكاليف الإنشاء.
لذا لا يزال بعض الشيوخ السلفيين في المغرب يرون حرمة الصلاة في هذا المسجد، لأن بعض تكاليف إنشائه أخذت عنوة من الناس عبر اقتطاعات إجبارية.
لوجبات الغداء في المغرب تكتيك خاص.. ففي البداية يضعون وسط السفرة طبقاً دائرياً كبيراً وممتلئاً بنوع معين من الطعام، وعندما تشرع في الأكل حتى تشبع، تفاجأ بأن هذا الطبق مجرد شوط أول، حيث يرفع هذا الطبق ويأتي طبق آخر، وبالطبع عليك أن تأكل منه أيضاً، وبعد الطبق الثاني ربما يكون هناك طبق ثالث أو سلة فواكه، ومن ثم الشاي المغربي الشهير.


عندما تسأل أي أحد في المغرب، ما الصحيفة الأكثر انتشاراً وتوزيعاً؟ فلن تجد سوى إجابة موحدة: "صحيفة المساء".
وحين تسأل لماذا؟ سيجيبك الجميع أيضاً: بسبب مقالات "رشيد نيني".
صحيفة المساء، رغم حداثة سنها الذي لم يتجاوز خمس أو ست سنين، إلا أنها باتت الصحيفة الأجرأ والأكثر تعبيراً عن هموم المواطن المغربي..
لكن الأهم في الصحيفة ليس جرأتها، بل المقالات اليومية الطويلة التي يكتبها المغربي رشيد نيني وتتصدر الصفحة الأخيرة من الصحيفة.
حيث يملك رشيد نيني لغة صحفية مبهرة، فيها مخزون هائل من التشويق والسخرية اللاذعة، والنبش المسكوت عنه، ونقل هموم المواطن المغربي بأفضل صورة ممكنة.
أياً كان السبب وراء قدومي إلى المغرب، فإن عدم رؤية بعض المواقع والتجول ببعض المدن الشهيرة يعد ناقضاً من نواقض الرحلة.
وكما أن الحج عرفة، فالمغرب هو مراكش، لذا قررت أن أذهب في يومي اللاحق لرؤية مدينة مراكش لبضع ساعات فقط ومن ثم العودة إلى الدار البيضاء.
رغم وجود العديد من المدن التاريخية في المغرب التي تعد أكثر قدماً من مدينة مراكش، خصوصاً تلك التي بناها الأدارسة في القرن الثاني والثالث الهجري، وأهمها مدينة فاس، وكذلك طنجة وأصيلا ومكناس.. إلا أن مدينة مراكش في تقديري تعد الأكثر أهمية..
تسمى مراكش المدينة الحمراء، لأن اللون الأحمر للحجر الصخري الذي شيدت به غالبية مبانيها صبغ المدينة بلون أحمر داكن ومميز.
وما يميز المدن المغربي اليوم أن هناك على الدوام سوراً تاريخياً يحيط بالمدينة القديمة، وخارج السور تبدأ أحياء المدينة الجديدة التي تم تشييدها عادة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع قدوم الاستعمار الفرنسي.
تعد مدينة مراكش من أهم معاقل التيار السلفي التقليدي في المغرب، 
وللتيار السلفي الحديث في المغرب اتجاهين رئيسيين: الأول سلفية تقليدية معارضة للسلطة، ولها خطاب سياسي حاد، وتقترب بشكل أو بآخر من السلفية الجهادية.
والسلفية الأخرى هي سلفية مداهنة، لا تمثل معارضة للسلطة، بل ويعدها الكثيرون من التيارات الموالية لنظام الحكم.
من الجوانب التي تستحق الإعجاب في المغرب كثافة الإنتاج المعرفي، وعمقه، ورصانته. بحيث يمكن لأي باحث أن يجد عشرات المراجع المكتوبة بأقلام مغربية في أي موضوع بحثي يحتاج إليه..
لكن بالطبع ستواجهه مشكلتان: الأولى أن عدداً كبيراً من هذه الدراسات مكتوب باللغة الفرنسية، والثانية أن المراكز البحثية في الجامعات تجبر الباحثين على تناول موضوعات محلية محضة قد لا تعني كثيراً القارئ والباحث العربي غير المغربي
الغريب أن الكثير من هذه الدراسات، رغم محليتها وخصوصيتها الشديدة، مكتوب أيضاً باللغة الفرنسية.
من اللافت ايضاً وجود (سلاسل كتب) تصدرها بعض دور النشر المحلية، ربما من أهمها سلسلة (وحهات نظر) التي تصدر كثيراً من الدراسات الرصينة ذات الشأن المحلي، وتبيعها بأسعار زهيدة تتراوح بين ١٥و٢٠ درهماً، أي ما يعادل من (٦إلى٨ ريالات).
.
من المفردات الغريبة التي ترد في كثير من الكتب المغربية هي مفردة (المخزن)، وتعني في الثقافة المغربية (السلطة، أو الحكومة).
يبدو غريباً لمن يزور المغرب لأول مرة كثافة استخدام المغاربة، وخصوصاً المثقفين منهم للغة الفرنسية. بل وينظر إلى من يتحدث العربية نظرة تشكيك في مدى علميته وقدراته وتأهيله.
لذا يضطر الكثيرون للحديث بالفرنسية حفاظاً على سمعتهم العلمية، ولو لم يكونوا مقتنعين بذلك..
أما الطبقات الغنية في المجتمع فهي تتحدث الفرنسية على الدوام كجزء من (البرستيج) الذي لا تستطيع التخلي عنه.
بالنسبة لي أنا العبد الفقير إلى الله، فلا فرق كبيراً عندي بين أن يتحدث الحضور بالفرنسية أو باللهجة المغربية الصرفة. لأنني في كلتا الحالتين لا أدري ما الذي يحكونه!
تعد جامعة محمد الخامس في الرباط الأضخم، ولكن جامعة الأخرين - رغم صغر حجمها - تعتبر الأحدث والأكثر مرموقية في المغرب، حتى إن البعض يسميها (هارفارد العربية).
أول ما دخلت إلى مبنى البرلمان المغربي رأيت أمامي صالات ضخمة وممتدة، ويجلس بها العديد من النواب، بدت لي القاعة فخمة جداً، حيث الفسيفساء الممتدة على الجدران، فكل شيء بها يوحي بهوية الأرض وتاريخها وأصالتها..
وكان الترتيب المعمول به لمقاعد النواب يُشبه ذاك الذي نراه دوماً في مجلس العموم البريطاني.
الجلسة التي حضرناها كانت استجواباً لوزير الاقتصاد المغربي، وبدت بعص مداخلات النواب عنيفة وحادة..
كنت أُتابع من مقاعد الحضور كل ما يجري، حركة النواب، سخونة المداخلات، ردود الفعل، وتدخلات رئاسة الجلسة لفك الاشتباك، أرقب كل ذلك، وأتأمل وأردد: (ربنا يطعمنا).
غادرت المغرب بعالمه المختلف، ورجاله المختلفين، وأسئلته المختلفة، وحركته الإسلامية المتطورة..
كنت أحسب المغرب يعيش في فضائه الخاص البعيد، وإذ به أقرب مما كنت أظن، يعيش كل قضايانا وأسئلتنا، ويتنفس ذات الهواء المشبع بآمال كبيرة، وهموم أكبر.
حكى لي أستاذ جامعي صديق عمل بإحدى الجامعات التونسية أنه قدم إلى مطار تونس وكان في حقيبته كتاب واحد، هو تجديد التفكير الديني لمحمد إقبال، وعند نقطة التفتيش أخذ الموظف هذا الكتاب، وقام بالاتصال بموظف آخر عبر الهاتف وقال له: هناك راكب معه كتاب من كتب سيد قطب!
يقول صاحبي استغربت من قوله هذا، وعرفت أنه لم يعرف الكتاب ولا المؤلف، فقلت له ببرود شديد مستغلاً جهله: يا أستاذ، مؤلف هذا الكتاب هو محمد إقبال وليس سيد قطب، هذا المؤلف زنديق وملحد وليس إسلاميا يقول صاحبي أن الدهشك بدت على وجه الموظف، فقال لي متسائلاً: ولكن عنوانه تجديد التفكير الديني!
قلت له: هو يقصد تدمير التفكير الديني..
عند ذلك لم يزد الموظف على أن ناولني الكتاب وقال لي: تفضل بالدخول!

إذا كانت مطاعم الوجبات الأمريكية السريعة محدودة في المغرب، فهي معدومة في تونس!
وهو ما لم أجد له تفسيراً مقنعاً حتى الآن. خاصة ونحن نرى هذا النوع من المطاعم موجوداً حتى في الدول المتخاصمة فكرياً وسياسياً مع أمريكا والغرب، فكيف بدولة كتونس، ربما تعد الدولة العربية الأمثر قرباً، ثقافياً وسياسياً، من أوروبا وأمريكا؟!
وكان مما استغربته أن كثيراً من هذه المطاعم لا تُشرع أبوابها طوال النهار وحتى آخر الليل - كبقية المطاعم في الدول العربية - بل هي تفتح أبوابها في السابعة مساءً، وتنهي عملها في الحادية عشر مساءً. أي أربع ساعات من العمل لا غير!
https://mail.google.com/mail/u/0/images/cleardot.gif


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق