الأربعاء، 23 أبريل 2014

كتاب القراءة المثمرة، "مفاهيم وآليات"

القراءة المثمرة، "مفاهيم وآليات"
أ. د. عبد الكريم بكار
دار النشر: دار القلم
الطبعة: السابعة 2012
إذا أمعنا النظر في واقع الأمم الصاعدة اليوم؛ لمسنا للوهلة الأولى أنها اعتمدت النهوض بالتعليم وتيسير سبل التثقف أساساً لتقدمها الحضاري في جوانب الحياة كافة.
وفي المقابل فإن الشعوب التي توصف بأنها متخلفة، تشترك جميعاً في أنها لا تملك بنية معرفية صحيحة، كما أن معظم أفرادها وبين الكتاب نوعاً من الجفاء، ونوعاً من الخلل في أسلوب التثقف، وفي الحساسية نحو المعارف الجديدة.
سيكون من المؤسف أن تحتاج أمة؛ أول كلمة نزلت في كتابها ودستورها الثقافي كلمة (اقرأ) إلى من يحثها على القراءة، ويكشف لها عن أهميتها في استعادة ذاتها وكيانها!
ولعل الله – جل وعلا – يُقدر لهذه الرسالة الصغيرة أن تشكل إسهاماً متواضعاً في تحسين موقفنا من الكتاب وتعاملنا معه.
دواعي التعلم:
إن هناك دواعٍ كثيرة، تفرض على الواحد منا أن يتعلم، ويقرأ، ويكتسب الخبرات مدى الحياة، منها:
1-      إن الذي يدعو الإنسان إلى مزيد من التعلم، هو العلم نفسه، إذ كلما زادت المعرفة، اتسعت منطقة المجهول.
المثقف الذي يرغب في الحفاظ على قيمة ثقافته وكرامتها، مطالب بأن يعيد تكوين ثقافته على نحو مستمر ومتجدد، وعندما يشعر بالاكتفاء بما لديه من معلومات سيضع نفسه على شفا الانحطاط.
إن جهلنا ينبسط مع تقدم المعرفة، كما ينبسط سطح التماس لكرة ما مع العالم الخارجي عندما يكبر قطرها، وهذا يُشكل تحدياً متزايداً لكل قارئ.
2-      إن العقل البشري يميل دائماً إلى تكوين عادات ورسم أُطر لعمله، وهي مرور الوقت تشكل نوعاً من البرمجة له.. البيئة – بكل أنواعها – هي التي توفر مادة تلك البرمجة .. وكلما كانت ثقافة الإنسان ضحلة، وكانت مصادر معرفته محدودة، ضاقت مساحة تصوراته. وأصبح شديد المحليّة في نماذجه ورؤاه، عاجزاً عن تجاوز المعطيات الخاطئة التي تشربها من مجتمعه. وقد كان علماء السلف لا يثقون بعلم العالم الذي لم يرحل، ولم يُغبر قدميه في طلب العلم.

القراءة ومصادر المعلومات الأخرى:
إن وسائل الإعلام تقدم برامج على درجة عالية من الزخرفة والاتقان؛ مما يعطيها جاذبية عالية؛ فإذا أضفنا إلى ذلك انعدام البواعث على القراءة وانعدام التقاليد الثقافية المحبذة لاقتناء الكتاب واصطحابه؛ أدركنا وضعية القراءة في عالمنا الإسلامي!
إن وسائل الإعلام تقدم معلومات متشظية، قلما تتصل بالحاجة المعرفية الحقيقية للمتابع لها، كما أن المعروف أن المعلومات الكثيفة حول أي شيء قد تقف حائلاً دون فهمه على الوجه الصحيح، تماماً مثل الحقائق والمعلومات القليلة عنه؛ فللعقل طاقة محدودة على التحليل والتصنيف والغربلة لما يرد عليه، وحين يزيد على طاقته، فإنه يربكه ويشتته.
إن الهامش الذي يفصل بين التسلية وبين التثقف الحق هامش ضيق؛ ومن السهل أن يكون ما نستمع إليه ونشاهده ضرباً من ضروب التسلية، وتزجية الوقت، ونحن نظن أننا نتعلم!
وأعتقد أن الكتاب ما زال هو الوسيلة الأساسية للتثقف الجيد، حيث نستطيع أن نمارس حريتنا كاملة في اختيار ما نحتاج إليه.
إذا كانت القراءة أهم وسيلة لاكتساب المعرفة، وإذا كان اكتساب المعرفة أحد أهم شروط التقدم الحضاري؛ فإن علينا ألا نبخل بأي جهد يتطلبه توطين القراءة في حياتنا الشخصية، وفي حياة الأمة عامة؛ فالمسألة ليست كمالية ولا ترفيهية، وإنما هي مسألة مصير.
وإليك أهم ما أظن أن علينا أن نقوم به من أجل إشاعة ثقافة (اقرأ):

أولاً: تكوين عادة القراءة:
إن عادة القراءة لن تتكون لدى الإنسان إلا عندما يشعر بشيء من المتعة واللذة عندما يقرأ، وهذا لن يكون إلا حين تكون القراءة عبارة عن نوع من الاكتشاف، ونوع من تنمية العقل، وتوسيع قاعدة الفهم، وكل ذلك مرهون بامتلاك طريقة جديدة للتعامل مع المواد العلمية المقررة على الطلاب.
ثانياً: توفير الكتاب
إن من المهم أن يكون هناك رابطة لأصدقاء الكتاب، يكون همها العمل على توفير الكتاب، وتسهيل وصوله لأكبر عدد من الناس، من خلال إقامة المعارض، وتنشيط سوق "الكتاب المستعمل"
ثالثاً: توفير الوقت للقراءة
بعض الناس يخصص في يومه ساعة، يسميها الساعة الهادئة؛ فهو لا يستقبل فيها زائراً، ولا يرد فيها على هاتف، ولا يكلم فيها أحد من أهل بيته
إن القراءة المثمرة تستحق منا التخطيط والتفكير والمثابرة والعناء، لأنها من أهم العوامل التي تعيد صياغة وجودنا من جديد!

لماذا نقرأ؟
الإنسان متسائل بالفطرة، تواق إلى اكتشاف المجهول بالطبيعة؛ وحين يرتقي في معارج الحضارة، يتحول لديه كثير من المعارف العلمية من معطيات ممتعة ومرفهة إلى ضرورات حياتية، حيث يتوقف عليها نموه الروحي والعقلي والمهاري
كثير من الناس لا يعرف لماذا يقرأ! ولا يبالي بمساءلة نفسه عن الهدف التفصيلي الذي يقرأ لأجله!
مع أن تحديد ذلك بدقة مهم جداً لتحديد ما يلائم الهدف من أنواع الكتب وأنواع القراءة ومستوياتها.
ويمكن أن نقول: إن الأهداف العامة لقراءة معظم الناس ثلاثة هي:
أولاً – القراءة من أجل التسلية، وتزجية الوقت وملء الفراغ: وهذه القراءة هي الأكثر شيوعاً بين الناس.
ثانياً – القراءة من أجل الاطلاع على معلومات
ثالثاً – القراءة من أجل توسيع قاعدة الفهم: وهي أشق أنواع القراءة وأكثرها فائدة.
فالكتاب الذي يرقى بفهم قارئه ليس ذلك الكتاب المفهوم لديه، أو ذلك الذي يعرض معلومات وأفكار معروفة، وإنما ذلك الكتاب الذي يشعر قارئه أنه أعلى من مستواه، وأن فهمه يحتاج إلى نوع من العناء والجدية والتركيز.
إن الكتاب الذي يحسن الفهم، هو كتاب يتحدى ولا يعجز؛ فهو أعلى من مستوى القارئ لكن يمكن أن يرقى إليه إلى حدٍ مقبول.
إن مكاسبنا من وراء كتب تعطي معلومات كمكاسب شخص امتلك قطعة ذهبية، أما مكاسبنا من وراء كتب تُحسّن الوضع الفكري لدينا، فهي مثل مكاسب من أُعطي مفتاح منجم من الذهب!
إن هذا النوع من القراءة هو الذي يجعل معلوماتنا تزهر وتثمر.

 (أنواع القراءة)
أولاً – القراءة الاكتشافية:
هناك أسباب كثيرة تدعونا إلى عدم الاستعجال في شراء أي كتاب، مهما كان موضوعه أو ثمنه، وأيّاً كان كاتبه – ما لم نلقِ عليه نظرة تصفحية، لنكتشف مدى حاجتنا إليه، والطريقة التي علينا أن نتبعها في قراءته.
نستطيع خلال نصف ساعة أن نصل إلى حكم جيد على الكتاب إذا قمنا بالتالي:
قراءة مقدمة الكتاب، قراءة فهرس الموضوعات، الاطلاع على فهرس المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف في بناء كتابه، بعض المؤلفين يضع ملخصاً مكثفاً في آخر كل فصل لما أورده فيه، وسيكون من المفيد قراءة بعض الملخصات، قراءة بعض صفحات أو فقرات من الكتاب لمعرفة مستوى المعالجة في الكتاب.
ثانياً – القراءة السريعة:
لو قدر للمرء أن يقرأ في حياته ستين سنة، وقرأ في كل أسبوع كتاباً، فإنه يكون قد قرأ نحواً من ثلاثة آلاف كتاب، وهو رقم متواضع جداً بالنسبة إلى ما هو منشور.
بعد تصح الكتاب واكتشاف مستواه، قرر القارئ أي نوع من القراءة يستحق، فهناك كتب تقرأ سريعة لا لتقاط النافع منها، وهناك كتب يجب أن تقرأ بدقة متناهية.
ثالثاً – القراءة الانتقائية:
حين يتجه المرء إلى التعمق في موضوع بعينه، فإنه يكون بحاجة إلى تتبع العديد من المراجع والكتب المتنوعة للعثور على مادة متجانسة، تساعده على تكوين صورة جيدة عن الموضوع الذي يهتم به.
القراءة التحليلية:
إن القراءة التحليلية هي أفضل أسلوب يمكن للمرء أ يتبعه في استكناه مضمون كتاب ما في وقت غير محدد؛ فهي لا تعني الاطلاع والاستفادة فحسب، بقدر ما تعني نوعاً من الارتقاء بالقارئ إلى أفق الكاتب الذي يقرأ له.
ومن محاور القراءة التحليلية:
سمات القارئ الجيد: إن النص الجيد هو النص الذي يشتمل على فراغات معرفية، وملء هذه الفراغات من الآن فصاعداً صار من مهمة القارئ الجيد، وحين يشرع القارئ في سدها تبدأ رحلة التواصل بينه وبين الكاتب.
ولكي يستطيع القارئ أن يستحوذ على أكبر قدر ممكن من عطاءات الكتب التي يقرؤها:
أ‌.        المثابرة على القراءة والحماسة في متابعتها.
ب‌.    القارئ الجيد يتمتع بقابلية جيدة لاستيعاب الجديد.
ت‌.    القدرة على الاستجابة لنبض العصر الثقافي ضرورة لمن يريد أن يقرأ قراءة مثمرة ينتفع بها.
إن الاستجابة لنبض العصر لا تعني الانفتاح المطلق، وقراءة كل ما هب ودب، لكنها تعني الوعي بالمعرفة التي يحتاجها مسلم اليوم، ليعيش زمانه بكفاءة وفاعلية، والوعي بما يرفع من قدرته على مواجهة التحديات المختلفة.
من الأسئلة الحيوية التي على القارئ أن يوجهها لنفسه: أسئلة تتعلق بمدى استيعابه لما قرأه.
وأدوات اختبار الفهم عديدة، لعل من أهمها أداتين:
الأولى: ان يحاول القارئ أن يأتي بأمثلة وملاحظات على القواعد والأفكار والملاحظات التي يثيرها الكاتب.

ثانياً: محاولة القارئ تلخيص ما قرأه في عبارات وفِقَر محدودة، بأسلوبه الخاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق