الخميس، 5 سبتمبر 2013

كتاب كان بالأمس



كان بالأمس، معاناة الوصول للرشاقة، والتكيف مع مرض التصلب العصبي، بدر العليان، نشر: الدار العربية للنشر ناشرون

مهما كانت تجربة الإنسان بسيطة، يكفيها أنها تجربة إنسانية.

مر بدر العليان بأربع مراحل في حياته قسمها في كتابه كالتالي: حياتي، التغيير.. التغيير، انتصاري ٧-٧-٢٠٠٩، صديق جديد.

(حياته)؛ كبرت وعادتي لم تتغير وظلت المطاعم هي همي الأكبر، أسأل عن كل وجبة جديدة أو مطعم جديد، أو شوكولاتة جديدة..

لا تخلو غرفتي من الحلويات والشوكولاتة، وأنا لا أتكلم هنا عن حبة شوكولاتة أو اثنتين بل صندوقاً في الخزانة يغازلني كل ساعتين.

أذكر موقفاً حصل لي عند طبيب الأسنان، وحينها كنت طفلاً سميناً، قال لي: هل تعرف ما هي الدانة؟ طبعاً كان يقصد اللؤلؤة لكن مع بدر كان المعنى غير ذلك، فقلت له الدانة هي شركة الأسماك المجمدة المعروفة، فاستسلم الطبيب ولم يعد يسألني عن شيء!

ليس الأكل هو همي الوحيد لكي لا أبالغ لكنه من أساسيات يومي الجميل، غير أن هناك الأصدقاء، السفر، الخروج للتنزه..

أنزعج قليلاً من الذهاب إلى الأماكن الحيوية التي تكتظ بالناس، وأعتقد أنكم عرفتم السبب، فشكلي السمين كان يكسر ثقتي بنفسي.

أحاول أن أتانق بأحدث الملابس وأشتري من أرقى المحلات التي تبيع المقاسات الكبيرة، وأصفف شعري، وأنسق بين ملابسي وساعتي وحذائي، وأذهب وأنا في قمة السعادة بأناقتي، لكن ما أن أرى شكلي في أي مرآة تقابلني حتى ينهدم احساسي بالفرح.

اشتركت مرة في نادي لكرة القدم! لحظة، بعيداً عن الشك، فقد كنت احتياطاً طوال الوقت، وكنت إذا سجلنا هدفاً يقفز فوقي صديقي وأركض وأصرخ تشجيعاً لفريقنا..

جميع أصدقائي في عمر المراهقة رشيقون، فكانت قياساتهم متقاربة، إلا أنا طبعاً فهم لا يعرفون عالم السمنة ولا صعوبة الحصول على قياس مناسب، فعندما أقول لأحدهم: ما أجمل ما تلبس! يقول لي: اذهب واشتره من المحل الفلاني..

سوف يأتي اليوم الذي أبدأ فيه الحمية الغذائية، هكذا كنت أقول لنفسي عند كل وجبة، ومضت الأيام ولم يأتِ اليوم الموعود!

زاد إلحاح أهلي القريبين مني والبعيدين، فالكل لاحظ زيادة وزني إلا أنا! فقد كنت ألبس وأسافر وأستمتع..

قررنا أنا ووالدي شراء سيارة جديدة لي، الشباب في عمري عندما يبحثون عن سيارة جديدة فهم إما يبحثون عن صناعة معينة أو عن ماركة، وبعضهم يفضل الرياضية السريعة، أما أنا فكنت أبحث فقط عن سيارة مقعدها مريح يحتضن سمنتي من غير أن يضايقني اشتريتها سنة أو أكثر بقليل وانكسرت إحدى قواعد المقعد، فاضطر والدي إلى الذهاب بها إلى أحد الحدادين ليلحم الحديد المكسور.

الكل سعيد ببدء الرحلة الصيفية إلى أوروبا إلا أنا، فأنا مرتبك وأفكر بتوتر بلحظة جلوسي في الطائرة التي افقدتني متعة السفر ... ندخل الطائرة وتدلنا المضيفة على المقاعد المخصصة لنا، يذهبون باتجاهها، أما أنا فقد كنت أحس بأنني أقاد للمقصلة ليعدموني..

أمي أحد أسباب رفضي للحمية لأنني كنت أرى حياتها مزدحمة بالنادي والمشي والمعاناة المستمرة مع الوزن وماذا لو زاد، كذلك اشتياقها للأكل خارج نطاق الحمية؛ نعم وصلت أمي للوزن المثالي وحافظت عليه، لكن الحرمان من الأكل كل هذه المدة لا أقدر عليه..

تمر الأيام وتزداد سمنتي وأصبحت أسمع كلمة (اعمل ريجيم) باليوم مرات ومرات وجوابي كالمعتاد: إن شاء الله... قريباً أخضع للحمية.

أبدأ بنظام الحمية، أكتئب وتثار أعصابي على أتفه الأشياء، لا أفكر في شيء غير الأكل.. أتشجع قليلاً حتى أصل لليوم الرابع في اليوم الخامس أبلغ كل أصدقائي بأنني أخضع لنظام صحي، وأخبرهم بأن موضوع السمنة الآن انتهى! أفكر مع نفسي: بدر، لم ينتهِ حتى الأسبوع الأول تروّ قليلاً.. أرجع إلى التفكير في الأكل، أحاول الصبر، حتى يأتي موعدي مع الطبيب، أقف على الميزان..

يا إلهي لقد فقدت أكثر من ٨ كيلوات في أسبوع!

 يبارك لي الطبيب، ويقول لي غداً أجعله يوماً مفتوحا بوجبة واحدة فقط.

انتهى اليوم المفتوح الذي تبعته بثاني من عندي، وللأسف كلما فكرت في الانتظام أحسست بانقباض قلبي، وكأن المتعة ستزول من حياتي...! لم أعد ألتزم بنظام الحمية، ولم أذهب للطبيب وصارحت أهلي بالأمر.

كنت في بعض الأحيان إذا رأيت شخصاً سميناً، أسأل صديقي أو من أكون بصحبته من أهلي، من يفوق الثاني سمنة أنا أم هذا السمين فتكون الإجابة كالصفعة المدوية، فالأغلبية من الذين أضعهم في مقارنة معي أكون أنا الخاسر، عفواً الفائز بالسمنة!

زاد وزني مع الأيام ومع كل زيادة كنت أشعر بصعوبة أكبر في الالتزام من جديد، مرت سنة ووصلت لوزن لم أصل له طوال حياتي..!

ساءت حالتي واعتزلت الناس، صارت كل حياتي منزلي وعملي وصديقي الذي اكتفي بالخروج معه بالسيارة..

لاحظ صديقي تغير جسمي الكبير، فأحس بالصدمة وحزن علي، فسألته ما بك؟ فقال: لأول مرة أراك على هذا الشكل، أنت الآن سمين جداً إلى حد لا يمكن السكوت عليه، حاول أن تفعل شيئاً، لماذا لم تعمل عملية تحويل مسار المعدة؟ فأخبرته أني ذهبت لأكثر من طبيب وكلهم طلبوا مني خسارة ٥٠ كيلو، كيف أحرق هذه الكيلوات؟ لو قدرت على حرقها لأحرقت الباقي وما أحتجت لعملية!

أمي كانت تسأل عن كل نظام صحي لخسارة الوزن، وتأتي لي به محاولة بث الحماسة فيّ، وكنت أقول لها: الحل في التدخل الجراحي فقط!

اتصل بي صديقي وأحسست من صوته أنه يريد أن يقول لي شيئاً مهماً، قلت له ما بك؟ قال: أنا وصديقنا حمد حلمنا بك نفس الحلم وبنفس الليلة! رأيناك بالحلم رشيقاً فرحاً بنفسك، وكنا فرحين معك. بدر، ربما تكون على وشك إيجاد حل لسمنتك، لا تيأس.

ذهبت إلى الدكتور الذي سبق وأجرى لي عملية بالون لم تنجح معي! وكان هو أملي الوحيد لأنه يعلم بمدى صعوبة خسارتي لأي وزن رجوته أن يعمل لي عملية تحويل معدة فهي الحل الوحيد بنظري، فأخبرني أنه في حال وافقت على العملية فسوف يجريها مع فتحة طولها ١٥سم في البطن لأن المنظار في الفم لن يصل للمعدة؛ وافقت على إجراء العملية فالمخاطرة أفضل من السمنة التي أعانيها..

كان الألم فظيعاًً مكان العملية في منتصف البطن فوق السرة؛ يدخل الدكتور ويسألني كيف حالي؟ أقول له إني بخير، يبدأ بممازحتي بقوله: الآن لن تقدر على الأكل، انتهى هذا الموضوع.

كنت أشرب بصعوبة، فكأس العصير أنهيه في نصف ساعة! ولم أقدر على تحمل شرب الماء فقد كنت أحس بالكهرباء في معدتي عند شربه.

مر علي شهر، ذهبت إلى الدكتور لأخذ وزني الجديد وقفت على الميزان وكانت خسارتي ٢٠ كيلو، فرحت لكن ليس كثيرا فربما لم  يعجبني وزني الجديد ٢١٢ فهو مرعب أيضاً، سمح لي الدكتور بأكل السلطات وبعض الدجاج منزوع الجلد والمشوي وبعض اللحوم.

بدأت أخرج مع الأصدقاء إلى المطاعم، وأكتفي بالعصير الطازج، وبعض الأحيان أطلب بعض السلطات الخالية من الصلصات والإضافات التي لا تتحملها معدتي الجديدة، كنت أكل قليلاً وأترك الصحن مليئا بالطعام، حتى إن العامل بالمطعم يستغرب ويسألني هل هناك مشكلة في الطعام، ألم يعجبك؟ فأقول له: لا أعجبني لكني اكتفيت. فينظر إلى شكلي السمين جداً وإلى أكلي القليل جداً، فيستغرب، ويظهر لي أن جوابي لم يقنعه!

بعد ٣أشهر أصبح وزني ١٨٩ زادت فرحتي بتوديع عالم ال٢٠٠، وبدأت بشراء ملابس بقياسات أقل من السابق.

استبدلت الحلويات التي كنت أكلها قبل العملية بالفاكهة، أصبحت أحبها بعد أن كنت لا أهتم بها سابقاً، أحببت الأناناس والتفاح الأخضر والمشمش..

بدأت أخرج قليلاً من المنزل، فكرت في هوايتي التي لم أمارسها من قبل، اشتريت كاميرا محترفة وصرت أذهب للأماكن التراثية والبحرية أو إلى العاصمة لالتقاط الصور، بدأت أشعر أنني إنسان طبيعي

أول رمضان يمر علي بعد العملية، كنت أكتفي بأكل قطعتين من الفطائر الصغيرة والشوربة، وبعدها بثلاث ساعات أشرب كأس لبن مع حلوى.

وقفت على الميزان بعد رمضان وإذ بوزني قد وصل إلى ١٦٥، والحمد لله فهذا الوزن لم أعهده منذ سنوات بعيدة!

استمريت على الأكل الصحي، واستمر وزني في النزول بعد نهاية السنة الأولى وصل إلى ١٤٠ كيلو، بعدها بشهر توقف عن النزول تماماً.

قررت أن أشترك في نادي صحي وهذه أول مرة أفعلها إذ لم أشترك في نادٍ من قبل، ذهبت في جولة مع أصدقائي إلى عدة نواد واخترت الأغلى!، والسبب هو أنني أريد أن التزم وعند اشتراكي في نادٍ غالٍ سوف احرص على الالتزام وأحس بالذنب في حال إهمالي!

مر أسبوعان، اتجهت متلهفاً للميزان لأرى كم فقدت، وهنا كانت الصدمة، فقط ٣ كيلوات، وأصبح وزني ١٣٧.

انتهى الشهر الأول من اشتراكي في النادي، وقد أصبح وزني الآن ١٣٢، فرحت بقربي من ١٢٠ فهذا الرقم لم أعرفه في حياتي!

في العمل الكل يلح علي بالإفطار معه، لكن دائماً أجيبهم بالرفض، إلى أن سموني الرجل التفاحة، لأني أحضر معي تفاحا أخضر للمكتب.

وزني الآن ١٠٥، كان قلبي يدق بسرعة بمجرد التفكير في أنني قاربت على عالم الرقمين، وهذه شهادة لي بأنني إنسان طبيعي جسمانياً.

لم أرَ وزني مجرد رقمين حتى في المرحلة المتوسطة كان وزني ١٠٧!

كانت تأتيني نوبات اكتئاب خاصة في الليل، لا أدري ما سببها، ربما ما أعانيه من جوع وتعب وإجهاد في سبيل خسارة الوزن الزائد خاصة عندما أفكر إن ما أعانيه أمر غير ضروري عند من لا يعانون من السمنة ولم يعرضوا أنفسهم للعمليات والشقوق والجروح ..

وقفت على الميزان وكان لي ما أردت، أصبح وزني ٩٩! عندها لم أستطع حبس دموعي، وأخبرت أهلي أصدقائي بالإنجاز الجديد.

الترهل في جسمي كبير، في أول الأمر أهملته لكن بعد أن أصبح وزني ٩٠أصبح شكله وأضح جداً، ولا حل له سوى الجراحة التجميلية..

سألني الدكتور كم خسرت فأجبته ١٤٠، فيقول لي: من المؤكد أنك تقصد أن وزنك كان ١٤٠؟ فأقول له لا، أنا فقدت ١٤٠ وكنت ٢٣٠

وزني الآن ٨٥، صرت ألبس medium بعد أن كان قياسي 6xl وهذا القياس لايوجد في أي محل بالعالم إلا المتخصصة بالقياسات الكبيرة..

إلى الآن لم أستوعب الفرق الشاسع والكبير بين بدر القديم والجديد، وعند دخولي إلى أي محل ملابس أسأله بخجل إن كان يتوفر مقاسي!

استيقظت في الصباح لأذهب إلى العمل، لكن هناك شيء يضايقني، شيء لا أعرف كيف أصفه، أحسست بخدر وتنميل شديد في نصف جسمي الأسفل!

استمر الخدر معي والتنميل يزيد يوماً عن يوم، أهملت الرياضة ولم أعد ألتزم بشيء.

ذات مرة وأنا عائد للمنزل لاحظت بأن حذائي سقط من تلقاء نفسه ولم أشعر به لأن قدمي كان مخدراً كلياً، حتى لم أحس بحرارة الأرض!

عندما أخبرني الدكتور بإصابتي بمرض التصلب العصبي المعروف باسم ms ارتحت كثيراً، لأنني ظننت أنني مصاب بالسرطان الخبيث ولأنني لا أعرف ما هو مرض التصلب العصبي ولا أعرف أي شيء عنه من قبل حتى اسمه لم يمر عليّ!

دخلت منزلي وكانت حركتي تزداد سوءاً، ذهبت إلى غرفتي وفتحت جهاز الكمبيوتر لأبحث عن هذا المرض الغريب..

قرأت قصصاً كثيرة حزينة وأخرى متفائلة، بعضها سوداوي وبعضها طموح، لكن كل هذا لم يكن الرد الشافي لي..!

جلست أفكر في أيهما الأفضل لي أن أكون سميناً لا يعاني من المرض لكنه يعيش منعزلاً عن العالم بسبب سمنته، أم رشيقاً مصاباً بمرض التصلب العصبي الذي لا يعرف عنه شيء! فاخترت الرشيق وحمدت ربي على هذا الابتلاء وقررت تهيئة نفسي جيداً للقادم!

إحساسي بالقدم غريب فأنا لا أحس بالأرض، كأن في أسفل قدمي إسفنج أمشي عليه، أحس بتيار كهربائي متصل بقدمي كلها إلى الحوض..

خيم الحزن على منزلنا لكن الغريب في الأمر أن حزني كان الأقل بينهم، ففرحتي برشاقتي كانت أكبر من التصلب العصبي.

لاحظت التأتأة في كلامي، كأن هناك خيطاً يسحب لساني فجأة وأنا أتكلم فأتلعثم بالكلام.

اتصلت بي أمي لتسأل عن أخباري، لاحظت التأتأة في كلامي، سألتني: ما بك؟ قلت لها: لا شيء ولا تسأليني لأني أنا نفسي لا أعلم ضحكت أمي من طريقة كلامي الغريبة، وراحت تبكي بعدها! وضحكت أنا من ردة فعلها المتناقضة.

وظيفتي سمسار في البورصة الكويتية، وهذا يتطلب مني الرد بسرعة على العملاء لأن الأسعار تتغير كل ثانية، ومع التأتأة في الكلام لم أستطع التواصل سريعاً مع العملاء، الذين انزعجوا من بطئي في الكلام..!

الأماكن الحارة تؤثر في مرض التصلب العصبي ، تظهر عليهم جميع الأعراض بشكل واضح يشبه الانتكاسة لكنها مؤقتة، فبمجرد أن يخرج من المكان الحار أو يذهب إلى مكان بارد، تختفي الأعراض التي ظهرت عليه ويرجع إلى طبيعته.

تمر فترة ليست بالقصيرة تكون حالتك الصحية ممتازة ولا يعرف من يراك بأنك مريض بالتصلب العصبي وتمر فترات تكون فيها مقعداً!

هذا هو مرض التصلب العصبي لا تدري متى يطرق بابك ليعلن تغيراً كبيراً في حياتك ومتى يذهب وكأنك لم تعانِ شيئاً فمعظم من تبدأ عندهم الانتكاسة غالباً ما يحسون بها عند الاستيقاظ من النوم، حتى لو كانوا بالأمس لا يُعانون من أي عارض.

دائماً أفكر لو لم أعمل عملية تحويل المعدة كيف ستكون حياتي الآن؟ خاصة مع مرض التصلب العصبي كيف سيتم تشخيص حالتي وأنا لا أقدر على الدخول إلى جهاز الأشعة "أشعة الرنين المغناطيسي" بفتحته الصغيرة، بسبب سمنتي، حتى الكرسي المتحرك لن يتحمل وزني الكبير! أحمد ربي على توقيت إصابتي بمرض التصلب العصبي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق