الخميس، 31 أكتوبر 2013

كتاب جدد حياتك

جدد حياتك، لمحمد الغزالي، دار النشر: دار القلم، الطبعة العشرون 2007.
جاءت فكرة الكتاب للشيخ محمد الغزالي، بعد أن قرأ كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" لديل كارينجي؛ يقول الغزالي فعزمت فور انتهائي منه أن أرد الكتاب إلى أصوله الإسلامية!
إنني لا أكتب إشباعاً لترف علمي قدر ما أكتب إصلاحاً لأغلاط شائعة وأوضاع جائرة.
ما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها وأن يرسم السياسات القصيرة المدى، والطويلة المدى، ليتخلص من هذه الهنات التي تُزري به.
ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها من غُنم أو غُرم، وأن نُرجع إليها توازنها واعتدالها كلما رجتها الأزمات، وهزها العِراك الدائب على ظهر الأرض في تلك الدنيا المائجة؟!
إن البعد عن الله لن يثمر إلا علقما، ومواهب الذكاء والقوة والجمال والمعرفة تتحول كلها إلى نقم ومصائب عندما تعرى عن توفيق الله.
من أخطاء الإنسان أن ينوء في حاضره بأعباء مستقبله الطويل. لماذا تخامرك الريبة ويخالجك القلق؟! عش في حدود يومك فذاك أصلح لك.
إن استعجال الضوائق التي لم يحن موعدها حمقٌ كبير، وغالباً ما يكون ذلك تجسيداً لأوهام خلقها التشاؤم..
ولو كان المرء مصيبا فيما يتوقع، فإن إفساد الحاضر بشؤون المستقبل خطأ صرف. والواجب أن يستفتح الإنسان يومه وكأنه عالم مستقل.
على أن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل، أو ترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل.
أتدري كيف يُسرق عمر المرء منه؟ يُذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولا يزال كذلك حتى ينقضي أجله، ويدهُ صفرٌ من أيّ خير.
إذا دهمتك شدة تخاف منها على كيانك كله، فما عساك أن تصنع؟
تدع الروع ينهب فؤادك، والعواصف الجائحة ترمي بك في مكان سحيق؟
أم تقف مطمئناً، وتحاول أن تتلمس بين هذه الضوائق مأمنا يهديك إليه الفكر الصائب؟

يقول ديل كارينجي:
سل نفسك: ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لي؟
ثم هيئ نفسك لقبول أسوأ الاحتمالات.
ثم اشرع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وهذه خطة يوصي العقل والدين بها.
عندما يبقى الفكر يقظا على هبوب الأخطار، وعندما يظل المرء رابط الجأش يقلب وجوه الرأي ابتغاء مخلص مما عراه ،فإن النجاح لن يخطئه.

إن الدين قد يكون منهاجاً كاملاً للرقي والتهذيب، ولكن الإفادة منه لا تصلح بإدارة معلوماته بين الألسنة والأسماع، ولا باستيعاب أحكامه في الذاكرة الجيدة، ولا بالأداء الصوري لعباداته المقررة. فهذا التناول للدين قليل النفع، بل عديم
الجدوى، وفي الأثر العلم علمان: علم في القلب، فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم.

قال برناردشو: إذا لقنت إنساناً شيئاً؛ فإنه لن يتعلم أبداً.

يقصدُ أن التلقين لا يخلق من المتعلم شيئاً طائلاً.

ويعلل ديل كارينجي هذا الحكم فيقول: إن التعلم عمل إيجابي لا سلبي، ونحن نتعلم حين نعمل.

ويضيف كارينجي: إن المعرفة التي نستخدمها هي وحدها التي تعلق بأذهاننا.

وهذا صحيح؛ وقد جاء عن أحد التابعين: "كنا نستعين على حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمل بها".

إذا كان العملُ رسالة الأحياءِ؛ فإن العاطلين موتى.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الألوف عما وهبوا من نعمة العافية والوقت فقال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من
الناس: الصحة والفراغ".
أجل.. فكم من سليم الجسم، ممدود الوقت؛ يضطرب في هذه الحياة بلا أمل يحدوه، ولا عمل يشغله..
يقول ديل كارينجي: إننا لا نحس أثراً للقلق عندما نعكف على أعمالنا، ولكن ساعات الفراغ، التي تلي العمل هي أخطر الساعات.
فعندما يُتاح لنا وقت فراغ لا تلبث شياطين القلق أن تهاجمنا، وهنا نتساءل: أترانا نحصلُ من الحياة على ما نشتهي؟ أترى كان الرئيس يعني شيئاً بملاحظته التي أبداها اليوم؟ أترانا مرضى؟

ذلك أن أذهاننا تشبه أن تكون خاوية عندما تفرغُ من العمل.
إن شحن الأوقات بالواجبات، والانتقال من عمل إلى عمل آخر - ولو من عمل مرهق إلى عمل مرفه - هو وحده الذي يحمينا من علل البطالة.
يتساءل ديل كارينجي: ما السبب في أن أمراً هيناً كالاستغراق في العمل يطردُ القلق؟

السبب في ذلك هو أحد القوانين الأساسية التي اكتشفها علم النفس؛ وهو: من المحال لأي ذهن بشري مهما كان خارقاً أن ينشغل بأكثر من أمر واحدٍ في وقت واحد.

من المؤسف أن بعض الناس يقع على السيئة في سلوك شخصٍ ما فيُقيمُ الدنيا ويقعدها من أجلها، ثم يعمى أو يتعامى عما تمتلئ به حياةُ هذا الشخص من أفعال حِسان وشمائل كِرام.

إن النظر الذي يثبت على الصغائر لا يعدوها، ولا يعتذر عنها بما يجاورها من خيرٍ وكمالٍ هو نظرٌ جائر.

إحساس المؤمن بأن زمام العالم لن يفلت من يد الله؛ يقذِفُ بمقادير كبيرة من الطمأنينة في فؤاده.

إذ مهما اضطربت الأحداث وتقلبت الأحوال فلن تبت فيها إلا المشيئة العليا: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
وهذا يُفسر ركون المسلم إلى ربه بعد أن يؤدي ما عليه من واجب. إنه يتوكل عليه ويستريح إلى ما يتمخض عنه المستقبل من نتائج والحق أنه لا معنى لتوتر الأعصاب واشتداد القلق بإزاء أمور تخرج عن نِطاق إرادتنا.

والمرونة في مقابلة الشدائد بعض آثار الإيمان والرشد، وحري بالرجل الذي يدع العاصفة تمر أن يحسن التغلب عليها بعد أن تنكسر حدتها.
ليست الغاية من الطاعات مباشرة رسومها الظاهرة، واعتياد أشكالها، وتقمص صورها، كلا، بل الغاية منها أن تزيد حدة العقل في إدراك الحق، وارتياد أقرب الطرق إليه، وأن تُمكن الإنسان من ضبط أهوائه، وإحسان السير في الحياة بعيدا عن الدنايا والمظالم.
مقتضى الإيمان أن يعرف المرء لنفسه حدوداً يقف عندها، ومعالم ينتهي إليها. أما العيش من غير ضوابط، والتمشي وراء النزوات المهتاجة دون تَحفظ ولا تصوّن، فليس ذلك سلوك المسلم، ولا ما يُرتقب منه.
سعادة الإنسان أو شقاوته، أو قلقه أو سكينته؛ تنبع من نفسه وحدها. إنه هو الذي يعطي الحياة لونها البهيج، "فمن رضي فله الرضا.."
عاد النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً يتلوى من شدة الحمى، فقال له مواسياً ومشجعاً: "طهور"، فقال الأعرابي: بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، لتورده القبور. قال: "فنعم إذاً".
يعني أن الأمر يخضع للاعتبار الشخصي، فإن شئت جعلتها تطهيراً ورضيت، وإن شئت جعلتها هلاكاً وسخطت.

إن العمل الواحد بما يصحبه من حال نفسي يتغير تقديره تغيراً كبيراً.

النفس وحدها هي مصدر السلوك والتوجيه حسب ما يغمرها من أفكار، ويصبغها من عواطف.

إن الإنسان عندما يرتفع عن سطح الأرض تتغير الأشكال والأحجام في عينه، وتكون نظرته إلى ما دونه أوسع مدى، وهو هو لم يتغير.

كذلك ارتفاع الإنسان في مدارج الارتقاء الثقافي والكمال الخُلُقي. إنه يُغيِّر كثيراً من أفكاره وأحاسيسه.
كل ما يصنعه المرء هو نتيجة مباشرة لما يدور في فكره، فكما أن المرء ينهض على قدميه، وينشط، وينتج بدافع من أفكاره، كذلك يمرض ويشقى بدافع من أفكاره أيضاً.
إحساس المرء بعظمة نفسه، ورسوخ قدمه، وحصانة عِرضه ضد المفتريات، وإحساسه بتفاهة خصومه أو عجزهم عن النيل منه، كل ذلك يجعله بارد الأعصاب إذا أُهين، بطيء الغضب إذا أسيء إليه. والغالب إن الإنسان يتغير، ثم يغتاظ، ثم تنفجر ثورته إذا اقتحمت نفسه، كما يقتحم العدو بلداً سقط في قبضته وأعلن الاستسلام. أما إذا أيقن أن عدوه يحاول المستحيل باستفزازه، وأنه مهما بذل فلن يجرحه، فإن هذه الطمأنينة تجعله يتلقى الضربات بهدوء، أو بابتسامٍ، او بسخرية.
قال علي رضي الله عنه: من لانت كلمته وجبت محبته، وحِلمك على السفيه يُكثر أنصارك عليه.
وشتم رجل الشعبي فقال له: إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك.
يرى ديل كارينجي، أن التحلُّم مع الأعداء رحمةٌ تلحق بالنفس قبل أن ينال الغير خيرها، ويدركه بَردُها وبرُّها..

مع إن نِعم الله تُلاحقنا في كل نفس يملأ الصدر بالهواء، وكل خفقة تدفع الدماء في العروق؛ فنحن قلّما نحس ذلك الفضل..

إننا نخال كل شيء مهيأ من تلقاء نفسه لخدمتنا، وأن على عناصر الوجود تلبية إشارتنا وإجابة رغبتنا، لا لعلة واضحةٍ سوى أننا نُريد، وعلى الكون كله التنفيذ!

بالضبط كما يعيش الأطفال المُدللون!

يظهر أن شُكر المنعم واجبٌ ثقيل، وأننا على قدر ما نحتاجُ ونأخذ، على قدر ما نستخفُّ وننسى.

بل إن كثيراً من الناس يتناول أنعم الله وكأنه يسترد حقاً مسلوباً منه، أو ملكاً خاصاً به، ومن ثم فهو لا يرى لأحد فضلاً عليه.
يضرب لنا ديل كارينجي عدة أمثلة لشيوع الجحود بين الناس فيقول: لو أنك أنقذت حياة رجل أتراك تنتظر منه الشكر؟ قد تفعل؛ بيد أن "صمويل لايبيتز" الذي اشتغل محامياً ثم قاضياً، أنقذ "٧٨" رجلاً من الإعدام فكم من هؤلاء تقدم له بالشكر؟ لا أحد!
ما أكثر النِعم التي بين أيدينا وإن غفلنا عنها!
إن هذه العافية التي تمرح في سعتها، وتستمتع بحريتها ليست شيئاً قليلاً.
وإذا كنت في ذهول عما أوتيت من صحة في بدنك، وسلامة في أعضائك، واكتمال في حواسك، فاصح على عجل، وذق طعم الحياة الموفورة التي أتيحت لك، واحمد الله ولي أمرك، وولي نعمتك على هذا الخير الكثير الذي حباك إياه.
ألا تعلم أن هناك خلقاً ابتلوا بفقد هذه النِعم، وليس يعلم إلا الله مدى ما يحسونه من ألم؟

أن ما في الحياة من منغصات ومتاعب يجيء من فوضى الناس، ونزق غرائزهم، وطيش مسالكهم، أكثر مما يجيء من طبيعة الحياة نفسها!
إن خروج الإنسان على سجاياه، وانفصاله عن طباعه العقلية والنفسية التي لا عوج فيها أمر يفسد عليه حياته ويثير الاضطراب في سلوكه.

يقول ديل كارينجي: إنك شيء فريد في هذا العالم. إنك نسيج وحدك، فلا الأرض منذ خُلقت رأت شخصاً يشبهك تمام الشبه، ولا هي في العصور المقبلة سوف ترى شخصاً يُشبهك تماماً.
ليس معنى حرية التفكير أن الإنسان حر في تنشيط مواهبه العقلية وعدم تنشيطها، فإن شاء فكر وشحذ ذهنه، وإن شاء تجاهل كل ما حوله، وترك ذهنه كاسداً معطلاً!، لا؛ فإن لكل موهبة وهبها لنا سبحانه حقاً علينا، هو تنشيطها، واستعمالها فيما خُلِقت له وذلك من صميم شكر الله.. أما تعطيلها وإهمالها فهو ضرب من الكنود والجحود لنعمته سبحانه. فوق أنه ضرب من الحرمان والشقوة.
حُرّية الرأي هي حارس العدالةِ في الشعب، والسياج الذي يكفُّ الحاكم أن يستبدَّ بأمورِ الناس.

ولا قيام لحكم الطاغية إلا على الأذهان الممسوخة والأفكار الراكدة البلهاء، والحجر على ذوي الرأي أن ينظروا إلى الأمور إلا من الزاوية التي يراها الطاغية.
إن أكثرنا يتبرم بالظروف التي تحيط به، وقد يضاعف ما فيها من نقص وحرمان ونكد، مع أن المتاعب والآلام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة.
وما تفتقت مواهب العظماء إلا وسط رُكامٍ من المشقات والجهود.

وليس كل امرئ يؤتى القدرة على تحويل قسمته المكروهة إلى حظ مستحب ذي جدوى، فإن عشاق السُخط ومدمني الشكوى أفشل الناس في إشراب حياتهم معنى السعادة إذا جفت منها، أو بتعبير أصح إذا لم تجئ وفق ما يشتهون.

أما أصحاب اليقين وأولو العزم فهم يلقون الحياة بما في أنفسهم من رحابة قبل أن تلقاهم بما فيها من عَنَت.

علاج الأمور بتغطية العيوب وتزويق المظاهر لا جدوى منه ولا خير فيه، وكل ما يحرزه هذا العلاج الخادع من رواج بين الناس أو تقدير خاطئ لن يغير شيئاً من حقيقته الكريهة. ومن هنا لم يحفل الإسلام بالظواهر إذا كانت ستاراً لتشويه معيب، أو نقصٍ شائن.
إن المرء يتجاوب مع معاني الخير والشر الطارئة عليه من الخارج، كما يتجاوب جهاز الاستقبال مع الموجات الطوال أو القصار التي ترسل إليه. فبحسب وضعه وانضباط آلاته على جهة معينة تكون طبيعة الإذاعة التي تصدر عنه. كذلك الإنسان إذا طابت نفسه أو خبثت.
يجب أن نعلم بأن اكتمال الخصائص الإنسانية الفاضلة لا يتم طفرة، ولا ينشأ اتفاقاً، بل هو نتيجة سلسلة من الجهود المتلاحقة ...

لقيت نفراً من الشبان الملحدين، وحاورت بعضهم أبغي استكشاف ما في نفسه، فوجدت فكرتهم عن الله أشبه بفكرة اللقيط عن أبيه لا يعرفه ولا يصفه! ووجدت جمهرتهم تفكر بهذا الإله عن تقليد أعمى وغرور بليد! فهم يحسبون أن العلم والإيمان ضدان....

أعرف واحداً من هؤلاء ما نظر يوماً في مرصد للأفلاك، ولا دخل يوماً معملاً للكيمياء، ولا غمس يده في تجربة خطيرة من التجارب
الكونية، ومع هذه الجهالة فهو ملحد، لأنه من العلماء، والعلماء لا إيمان لهم إلا بالمادة!

يقول فرانسيس بيكون: إن قليلاً من الفلسفة يجنحُ بالعقل إلى الإلحاد، ولكن التعمق في الفلسفة خليقٌ أن يعود بالمرءِ إلى الدين.
وأراني مضطراً إلى تقرير حقيقة قد تعزب عن بال كثيرين، هي أن هناك فارقاً بين الإيمان بالله كما وقر في نفوس لفيفٍ ضخم من المفكرين والعظماء، وبين الانتساب إلى الأديان المعروفة خصوصاً في الغرب. فإن العلم المجرد هدى ألوف العلماء إلى الله، ووقفهم أمام قدرته الرائعة مبهورين. وكذلك فعل التفكير السليم عند كثير من الساسة والقادة.
حدثني "إدوارد استيتنيوس" مدير شركة جنرال موتورز أنه كان يصلي ويبتهل إلى الله أن يهبه الحكمة والسداد ليلاً ونهاراً.

وأخبرني البطل "جاك دمبسي" بأنه لا يأوي إلى مضجعه قبل أن يتلو صلواته، ولا يتناول طعاماً حتى يحمد الله الذي وهبه إياه، وأنه لا يفتأ يردد الصلوات والدعوات في أثناء تدربه على الملاكمة، وقبل كل مبارة يخوضها.
لقد أدركوا أنهم ليسوا وحدهم في الحياة، وأنهم فقراء إلى هذا الإله القادر الرحيم كي يصحبهم في دنياهم بتوفيقه ورعايته..

إن الركض في ميادين الحياة بقدر ما يجلل البدن بالغبار والعرق يجلل الروح بالغيوم والأكدار. والمرء يحتاج إلى ساعة يلم فيها شعثه، ويعيد النظافة والنظام إلى ما تعكر وانتكث من شأنه كله. وليست الصلاة إلا لحظات لاسترجاع هذا الكمال المفقود أو المنشود.
أي خيرٍ يكسبه الإنسان إذا استيقظ من منامه، فكان أول تفكيره الاتصال بربه، والاستعانة به، والاستمداد منه؟!
إنه ينالُ ضماناً من السماء أن يقضي سحابة نهاره وهو في حرز منيع!
أجل، لقد أصبح فأرضى ربه ولاذ به، وطلب حمايته.
والله عز وجل أحق من يُعطي الأمان من استأمنه، وأن يمنح جواره من استجار به.

إن أصحاب الحساسية الشديدة بما يقول الناس، الذين يطيرون فرحاً بمدحهم، ويختفون جزعاً من قدحهم؛ هم بحاجة إلى أن يتحرروا من هذا الوهم، وأن يسكبوا في أعصابهم مقادير ضخمة من البرود وعدم المبالاة، وألا يغتروا بكلمة ثناء أو هجاء..
وقد وجد الكاتب الأمريكي نفسه مضطراً إلى الانصياع لهذه الحقيقة فقال: لقد اكتشفت من سنوات أنني وإن عجزت عن اعتقال ألسنة الناس حتى لا يطلقوها فيّ ظلماً وعدواناً، إلا أنه وسعني أن أفعل ما هو خير من هذا، أن أتجاهل لوم الناس ونقدهم.

وبديهي أن المرء يلوذ بهذا الاستعلاء والاستغناء إذا دهمه سيل من هزات الحاسدين، واتهامات الحاقدين، وكان الحق معه.



أما الانتقاد الصحيح لما وقع فيه من أخطاء، أو الاستدراك على ما فاته من كمال؛ فيجب أن نقبله على العين والرأس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق