السبت، 20 يوليو 2013

كتاب (أخبار عمر وأخبار عبدالله بن عمر) رضي الله عنهما


 


أخبار عُمر وأخبار عبدالله بن عُمر، لـ/علي الطنطاوي، وناجي الطنطاوي دار المنارة
**

المقدمة:
أنا كُلما ازددت اطلاعاً على أخبار عمر، زاد اكباري إياه واعجابي به، ولقد قرأت سيرة الآف العظماء من المسلمين وغير المسلمين، فوجدت فيهم من هو عظيم بفكره، ومن هو عظيم ببيانه، ومن هو عظيم بخلقه، ومن هو عظيم بآثاره. ووجدت عمر قد جمع العظمة من أطرافها، فكان عظيم الفكر، والأثر، والخلق والبيان. "علي الطنطاوي"
**
عاش عمر 65 سنة، نصفها في ظلام الخمول، كان فيه نكرة مجهولاً، لا اسم له ولا مجد، ونصفها في نور العظمة، كان فيه علم من الاعلام وكانت نقطة التحول هي اللحظة التي قال فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. هنالك ولد عمر حقاً وبدأت حياته.
**
كان سفيراً لقريش، إذا وقعت حرب بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيرا، للمفاوضة عنهم وإن نافرهم منافرا أو فاخرهم مفاخر رضوا به مفاخراً ومنافراً.
**
كان رجلاً عادياً كملايين الناس الذين يعشون ويموتون، فلا يحس أحد بحياتهم، ولا يأسى لموتهم، فصار عمر بن الخطاب العبقري الذي أتعب سرد مناقبه ومزاياه المؤرخين.

**
قال عنه عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما: "كان اسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت امارته رحمةً؛ لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا".
**
وقال صهيب بن سنان: لما أسلم عُمر جلسنا حول البيت حِلقاً، وطفنا وانتصفنا ممن غلظ علينا.
**
كان مثال الرجل العسكري الذي يمتثل ولا يرتجل، لما أرسله الرسول صل الله عليه وسلم، في سرية تربة، ورأى عدواً آخر يمكن الظفر به لم يعرض له، لأنه لم يتلق بذلك أمراً من رسول الله.
**
وكان قد بلغ الغاية في اخلاصه لرسول الله وايثاره رغبة الرسول على هوى نفسه، حتى إنه فرح بإسلام العباس يوم أسلم أكثر من فرحه بإسلام أبيه الخطاب لو أسلم، لأن اسلام العباس كان أحب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم من اسلام الخطاب
**
روي أن أبا سفيان قال للنبي صل الله عليه وسلم حين عرض عليه الإسلام: كيف أصنع بالعزى؟ فسمعه عمر رضي الله عنه من وراء القبة فقال له تخرأ عليها. وفي جواب عمر سخرية لاذعة، بهذه العقلية الجامدة التي لا تزال محصورة في نطاق الجاهلية الضيق
**
أعلن عمر خطت من أول يوم تولى الخلافة فيه، فكان أول ما تكلم به بعد ولايته أن قال: ثلاث دعوات إذا دعوت بها فأمنوا عليها: اللهم إني ضعيف فقوني، اللهم إني غليظ فليني، اللهم إني بخيل فسخني" وقال: لو علمت أن أحداً أقوى مني على هذا الأمر، لكان ضرب العنق أحبُ إليّ من هذه الولاية.
**
بلغ من لين أبي بكر أن الصبيان كانوا إذا رأوه يسعون إليه، ويقولون يا أبتِ! فيمسح رؤوسهم.

 

وبلغ من هيبة عُمر أن الرجال تفرقوا وتركوا مجالسهم بالأفنية هيبةً، حتى ينظروا ما يكون من أمره.
**
فتحت في أيام عمر بلاد الشام والعراق وفارس ومصر وأطراف أفريقيا.
**
كان عمر هو الذي يختار القواد وأمراء الجيوش، وكانت له في اختيارهم حاسة عجيبة يعرف بها حقائق الرجال وأقدارهم، فيعمد إلى الرجل العادي الذي لم يقد معركة، فيوليه القيادة، فما هي إلا معركة أو اثنتان حتى يخرج منه قائد من أكابر قواد التاريخ كسعد وأبي عبيدة.
**
كان عمر في هذه الفتوح، يُفهم قواده، وأمراء جيوشه أنها ليست حرب عدوان وظلم، ولا حرب تسلط واستعمار، لكنها حرب عادلة رحيمة لها قواعدها وآدابها ولها قيودها وأنظمتها، وكان يوصيهم بإصلاح نفوسهم وابتغاء وجه الله بأعمالهم.
**
قال أسلم: رأيت عمر بن الخطاب حين عرض عليه الكتاب وبنو تيم على أثر بني هاشم، وبنو عدي على أثر بني تيم، فأسمعه يقول: ضعوا عمر موضعه، وابدؤوا بالأقرب فالأقرب من رسول الله -صل الله عليه وسلم- فجاءت بنو عدي إلى عمر. فقالوا أنت خليفة رسول الله، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم. فقال: بخ بخ، بني عدي أردتم الأكل على ظهري، وأن أهب حسناتي لكم. لا والله حتى تأتيكم الدعوة وإن أطبق عيكم الدفتر (أي ولو أن تُكتبوا آخر الناس).
**
جمع ستين مسكيناً وأطعمهم الخبز، فأحصوا ما أكلوا فوجدوه يخرج من جريبين، ففرض لكل انسان منهم له ولعياله جريبين في الشهر.
**
عن هشام الكعبي قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحمل ديوان خزاعة حتى ينزل قديداً، فتأتيه بقديد، فلا تغيب عنه امرأة بكر ولا ثيب فيعطيهن في أيديهن، ثم يروح فينزل عسفان فيفعل مثل ذلك حتى توفي.
**
أتي عمر مرة بمال كثير من مال الجزية، فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس. قالوا: لا والله، وما أخذنا إلا عفوا وصفوا. قال: بلا سوط ولا نوط؟ (أي بلا ضرب ولا تعليق). قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك علي ولا في سلطاني.
**
ما أكل عمر في بيت أحد من ولده، ولا بيت أحد من نسائه ذواقاً زمان الرمادة، إلا ما يتعشى مع الناس، حتى أحيا الله الناس أول ما أحيوا.
**
رأى عمر بنظره البعيد، أن العرب إذا نزلوا في المدن الفارسية فقدوا مزايا الصحراء، وخلائق العروبة، وغلب عليهم الترف، وأضعفتهم الحضارة وأحب أن يقيم للعرب مدنا جديدة، يعيشون فيها مثل عيشهم في الجزيرة، فتكون لهم كثكنات الجند، فأنشأ لهم الكوفة والبصرة، المدينتين اللتين أسدتا إلى اللغة وآدابها، ما لم تسد مثله مدينة قط.
**
كانت كسوة الكعبة في الجاهلية الجلود، فكساها صل الله عليه وسلم الثياب اليمانية، ثم كساها عمر القباطي.
**
لم يكن ينظر إلى صلاح الرجل في ذاته، ولكن إلى صلاحه للولاية، لذلك كان يولي الولايات ناسا وأمامه من هو أتقى منهم وأكثر علما، وأشد عبادة، وكان يقول: إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه.
**
أمر بكتابة عهد لرجل قد ولاه، فبينما الكاتب يكتب جاء صبي فجلس في حجر عمر فلاطفه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين لي عشرة أولاد مثله ما دنا أحد منهم مني، قال عمر: فما ذنبي إن كان الله عز وجل نزع الرحمة من قلبك وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. ثم قال: مزّق مزّق الكتاب، فإنه إذا لم يرحم أولاده فكيف يرحم الرّعية؟
**
كتب مرة إلى عماله أن يوافوه جميعاً في موسم الحج فوافوه. فقام فقال: أيها الناس: إني والله ما أبعث إليكم عمالي ليضربوا أبشاركم
،
ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أبعثهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنة نبيكم فمن فُعل به سوى ذلك فليرفعه إليّ. فو الذي نفسي بيده لأقصنّه منه.
**
يقول عمر-رضي الله عنه- :"الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا".
**
قال يوسف بن الماجشون: قال لي ابن شهاب ولأخ لي وابن عم لي ونحن صبيان: لا تستحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعياه الأمر المعضل دعا الأحداث فاستشارهم لحدة عقولهم.
**
قال عُمر رضي الله عنه: لأن استنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفار أحبُّ إليّ من جزيرة العرب.
**
وقال -رضي الله عنه-: كل أسير كان في أيدي المشركين من المسلمين ففكاكه من بيت مال المسلمين.
**
تزوج رجل على عهد عمر -رضي الله عنه- وكان قد خضب لحيته، فنصل خضابه بعد أيام فبدا شيبه. فاستعدى عليه أهل المرأة عمر وقالوا: حسبناه شاباً! فأوجعه عمر ضرباً، وقال له: غررت القوم!
**
قال حنظلة: قال عمر: ليس الرجل بمأمون على نفسه إن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقرّ على نفسه.
**
رأى عمر مصحفاً صغيراً في يد رجل، فقال: من كتبه؟ قال: أنا، فضربه بالدرة، وقال: عظموا القرآن.
**
قال الحسن: مرّ عُمر -رضوان الله عليه- على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها فقال: هذه دنياكم التي تحرصون عليها.
**
لا نزال نقول إن النثر في صدر الإسلام، لم يسبق سبق الشعر، ولم يسم سموه، ثم نجيء إلى مثل أسلوب الجاحظ، فنراه الغاية في الابداع وفي الحسن، ولو نظر القارئ في أسلوب عمر، عندما يكون متحدثا منطلقا على سجيته لرأى فيه عجبا، ما يدانيه فيه الجاحظ ولا غيره من أهل طبقته.
**
قال رجل لعمر: اتق الله يا عمر (وأكثر عليه) فقال قائل: اسكت فقد أكثرت على أمير المؤمنن، فقال عمر: دعه، لا خير فيهم إن لم يقولوها ولا خير فينا إن لم نقبل.
**
لا تسألوا الناس في مجالسهم ومساجدهم فتفحشوهم، ولكن سلوهم في منازلهم، فمن أعطى أعطى ومن منع منع.
**
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:"خير الناس بعد رسول الله -صل الله عليه وسلم- أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر".
**
الحسن البصري يقول: إذا أردتم أن يطيب المجلس فأفيضوا في ذكر عمر.
**
عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يقول عنه طاووس: ما رأيت مصليا ًكهيئة ابن عمر أشد استقبالاً للكعبة بوجهه وكفيه وقدمه.
**
وقال عنه سعيد ب المسيب: لو شهدت لأحدٍ أنه من أهل الجنة لشهدت لعبدالله بن عمر "رضي الله عنهم".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق