السبت، 20 يوليو 2013

كتاب (أنا) سيرة ذاتية للعقاد


 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





أنا، سيرة ذاتية، لعباس محمود العقاد، منشورات المكتبة العصرية
يقول الصحفي بمجلة الهلال، "طاهر الطناحي"، والذي جمع مادة هذا الكتاب "أنا" بعد وفاة العقاد، وفي نحو الـ 57 من عمره اقترحت عليه أن يكتب كتاباً.

عن حياته.. فأجابني: " سأكتب وسيكون عنوانه "عني" وسيتناول حياتي من جانبين: الأول حياتي الشخصية نشأتي وتربيتي، و بعبارة أخرى عباس العقاد الانسان"، والجانب الثاني: حياتي الأدبية والسياسية والاجتماعية أو بعبارة أخرى "حياة قلمي "وقد كتب لمجلة الهلال قبل ذلك بعد الأربعين" و "وحي الخمسين" فعرضت له فكرة أن اجمعها له في كتاب فوافق، فجمعتها بالإضافة لفصول نشرتها مجلات أخرى وما كدت أجمعها حتى وافته المنية، فرأيت من الوفاء أن أنشر له هذا الكتاب، واخترت له عنوان: (أنا(
**

الكاتب الأمريكي "وندل هولمز"، يقول إن الانسان - كل انسان- بلا استثناء إنما هو ثلاثة أشخاص في صورة واحدة، الانسان كما خلقه الله والانسان كما يراه الناس، والانسان كما يرى نفسه، فمن من هؤلاء الأشخاص الثلاثة هو المقصود بعباس العقاد؟ ومن قال أنني أعرف هؤلاء الأشخاص الثلاثة معرفة تحقيق أو معرفة تقريب؟ من قال أنني أعرف عباس العقاد كما خلقه الله؟ ومن قال أنني أعرف عباس العقاد كما يراه الناس؟ ومن قال أنني أعرف عباس العقاد كما أراه، وأنا لا أراه على حال واحدة كل يوم؟
**
عباس العقاد كما أراه - بالاختصار - هو شيء آخر مختلف كل الاختلاف عن الشخص الذي يراه الكثيرون، من الأصدقاء أو من الأعداء، هو شخص أستغربه كل الاستغراب حين أسمعهم يصفونه أو يتحدثون عنه، حتى ليخطر لي في أكثر الأحيان أنهم يتحدثون عن انسان لم أعرفه ولم ألتق به فأضحك بيني وبين نفسي وأقول: ويل التاريخ من المؤرخين.
**
إنني أمقت الغطرسة على خلق الله، ولهذا أُحارب كل دكتاتور بما أستطيع، ولو لم تكن بيني وبينه صلة مكان أو زمان، كما حاربت هتلر ونابليون.
**
أن العواطف المزيفة أروج في هذه الدنيا من العواطف الصحيحة، فلا أسف إذن على رأي الناس في الناس، ولا اعتداد إذن بما يُقال ومن يقول.
**
يأسرني الفن الجميل، حتى أنني أبكي في مشهد عاطفي أو درامي متقن الأداء، وأذكر أنني بكيت في أول فيلم أجنبي ناطق، كان يمثله الممثل القديم.

آل جولسون"، وكان معه طفل صغير يمثل دور الطفل الذي حرم من أمه، وظل هدفاً للاهمال حتى مات، وتأثرت من الفيلم وبكيت، ولم أستطع النوم في تلك الليلة، إلا بعد أن غسلت رأسي بالماء الساخن ثلاث مرات، وأنا أستعين بالماء الساخن على ابعاد الأفكار السوداء عندما تتملكني.
**
حياتي الأدبية وأنا في التاسعة من عمري، وكانت أول قصيدة نظمتها هي قصيدة مدح العلوم وقلت فيها:
علم الحساب له مزايا جمــة -- وبه يزيد المرء في العرفان

والنحو قنطرة العلوم جميعها-- ومبين غامضها وخير لسان.
**
لا أزال أذكر ملامح السرور التي رأيتها على وجه أبي حين أنشدته قصيدة من تلك القصائد التي كنت أنظمها في مدح النبي عليه السلام ولعله تهلل واستبشر لنزعتي الدينية قبل براعتي في نظم الشعر أو تجويد الكتابة، ولم يلحظ علي إلا أنني ختمت القصيدة بشطر أقول فيه مشيراً  إلى نفسي " عباس من هو في الأشعار مدرارا"!، فقال: إن الأباصيري أكبر مادحي النبي عليه الصلاة والسلام قد ختم مدائحه معتذراً عن التقصير فافعل كما فعل، أو فاسكت عن الاعتذار وعن الاطراء.
**
وجملة ما أذكره لذلك الأبُ الكريم، أنني مدين له بالكثير، وأنني لم أرث منه مالاً يغنيني، ولكني استفدت منه ما لا يقدر بمال.
**
لم أرَ في حياتي امرأة أصبر على الصمت والاعتكاف من والدتي، فربما مضت ساعة وهي تستمع من جاراتها وصديقاتها وتجيبهن بالتأمين أو بالتعقيب...
**
ومن المصادفة اتفاق والدي ووالدتي في هذه الخصلة، ولست أنسى فزع أديب زارني يوماً وعلم أنني لم أبرح الدار منذ أسبوع، فهاله الأمر كأنه سمع بخارقة من خوارق الطبيعة، إنها وراثة من أبوين، يؤكدهما الزمن الذي لا تحمد فيه معاشرة أحد.... إلا من رحم الله!
**
يُقال إن الذاكرة ملكة مستبدة، ويراد بنسبة الاستبداد إلى هذه الملكة العقلية أنها تحفظ وتنسى على غير قانون ثابت، فتذكر الأمور على هواها ولا تذكرها بقدر جسامتها واقتراب زمانها، وقد تحتفظ بأثر صغير مضى عليه خمسون سنة، وتهمل الأثر الضخم وأن عرض لها قبل شهور أو أسابيع.
**
هذه الندرة في الكتب التي تيسرت لي أيام التلمذة وما بعدها علمتني دستوراً للمطالعة أُدين به إلى الآن، وخلاصته

أن كتاباً تقرأه ثلاث مرات، أنفع من ثلاثة كتب تُقرأ كلاً منها مرة واحدة.
**
لما أُغرمت بالأدب أخذت أتمرن على نظم الشعر، وساعدني في ذلك مباراتنا المدرسية التي كان الناظر يعقدها لنا في لقاء الشعر العربي..
**
إنني أؤمن بكلمات التشجيع التي يتلقاها الناشئ في مطلع حياته ممن يثق بهم ويعتز برأيهم، فيمضي إلى وجهته على يقين من النجاح.
**
وأؤمن بالظروف وفعلها في تمهيد أسباب النجاح وتيسير البدء في طريقه، ثم المثابرة عليه إلى غاياته القريبة والبعيدة.
**
اتجاهي إلى الصحافة - أو إلى الكتابة على الأصح - قد تلاقت فيه كلمات التشجيع ومؤاتاة الظروف والرغبة الكامنة في الطوية من أيام الطفولة ولا أقول من أيام الصبا أو الشباب، لأنني عرفت أنني أحب الكتابة وأرغب فيها قبل العاشرة، إلى أن عملت بها واتخذتها عملاً دائما مدى الحياة.
**
اصدرت يوماً صحيفة باسم "التلميذ" محاكاة لصحيفة "الأستاذ" وافتتحتها بمقال عنوانه: "لو كنا مثلكم لما فعلنا فعلكم" معارضة لمقال نديم المشهور : "لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا" يعني بها الأوربيين.
**
وإنني لأقرأ الصحف ذات يوم إذ بالأستاذ "محمد فريد وجدي" يعلن عن صحيفة يومية ينوي أن يصدرها باسم الدستور، ويطلب مخاطبته في شئون الصحيفة ومنها شأن التحرير، فتناولت ورقة في المقهى التي كنت أجلس بها بحي شبرا، وكتبت إليه خطاباً أرشح نفسي للاشتغال بتحرير الدستور، ولم يمضِ يومان حتى جاءني الرد منه بالقبول، وعدت لأستقيل من وظيفتي الحكومية وأبدأ حياتي الصحفية المنتظمة، وما زلت أعمل بها حتى اضطرت للتوقف.
**
ومن السوابق التي أغتبط بها وأحمد الله عليها أنني كنت - فيما أرجح - أول موظف مصري استقال من وظيفة حكومية بمحض اختياره يوم كانت الاستقالة من الوظيفة والانتحار في طبقة واحدة من الغرابة، وربما كانت حوادث الاستقالة أندر من الانتحار.
**
ولا أنسى حتى اليوم أنني تلقيت خبر قبولي في الوظيفة الأولى التي أكرهتني الظروف على طلبها كأنني أتلقى خبر الحكم بالسجن أو الأسر والعبودية إذ كنت أؤمن كل الإيمان بأن الموظف رقيق القرن العشرين..
**
قيل لي كثيراً: "احتفظ بهذا القلم أو ذاك لأنك كتبت به هذا الكتاب أو ذاك".. فلم أجد معنى للاحتفاظ بقلم تغني عنه في عملي وفي نظري أقلام.
**
(
لماذا هويت القراءة؟)؛ أول ما يخطر على البال - حين يوجه هذا السؤال إلى أحد مشتغل بالكتابة - أنه سيقول: أنني أهوى القراءة لأنني أهوى الكتابة!؛ ولكن الواقع أن الذي يقرأ ليكتب وكفى هو "موصل رسائل" ليس إلا .. أو هو كاتب بالتبعية وليس كاتب بالأصالة، فلو لم يسبقه كتاب آخرون لما كان كاتباً على الاطلاق، ولو لم يكن أحد قبله قد قال شيئاً لما كان عنده شيء يقوله للقراء.
**
كلا، لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لازداد عمراً وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا وحياة واحدة لا تكفيني ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تُطيلها بمقادير الحساب.
**
)
الكتب المفضلة عندي)؛ هذا موضوع جليل، ولكن هل تعرف أنني أفضل قراءة كتب فلسفة الدين، وكتب التاريخ الطبيعي، وتراجم العظماء، وكتب الشعر؟
**
أنني أقرأ هذه الكتب وأعتقد أن العلاقة بينها متينة، وإن كانت تفترق في الظاهر، لأنها ترجع إلى توسيع أفق الحياة أمام الإنسان، فكتب.

فلسفة الدين تبين إلى أي أحد تمتد الحياة قبل الولادة وبعد الموت، وكتب التاريخ الطبيعي تبحث في أشكال الحياة المختلفة وأنواعها المعتادة وتراجم العظماء معرض لأصناف عالية من الحياة القوية البارزة، والشعر هو ترجمان العواطف، فإنني أفضل من الكتب كل ماله مساس بسر الحياة.
**
اقرأ ما شئت تستفد إذا كان لك فكر قادر أو معدة عقلية تستطيع أن تهضم ما يُلقى فيها من الموضوعات، وإلا فاجعل القابلية حكماً لك فيما تختار.
**
لا أظن أن هناك كتباً مكررة لأخرى، لأني أعتقد أن الفكرة الواحدة إذا تناولها ألف كتاب أصبحت ألف فكرة، ولم تعد فكرة واحدة.
**
لهذا أتعمد أن أقرأ في الموضوع الواحد أقوال كتاب عديدين، وأشعر أن هذا أمتع وأنفع من قراءة الموضوعات المتعددة.
**
أكتب أكثر المقالات الصحفية للمجلات الأدبية باقتراح من الزملاء المشرفين على تحريرها، وأرحب بهذه الطريقة كل الترحيب لأنني عرفت بالتجربة أن محرر المجلة أولى باقتراح موضوعاتها، وأقدر على اختيارها واجتناب التكرار فيها، إذ هو أعرف بمنهج صحيفته وأذواق قُرائه.
**
أكتب في كل مكان خلا من الضوضاء، أما إذا لم تقيدني الضرورة بمكان معين فأكثر ما أكتب وأنا مضطجع على الفراش وثلاثة أرباع مقالاتي السياسية كتبت كذلك، هذا في النثر، أما الشعر فيغلب أن أنظمه وأنا أتمشى أو أسير في الخلاء.

**
أفضل الكتابة منفرداً لا يحيط بي أحد، ولم أكتب قط في الأدب خاصة ومعي آخر في الحجرة، إلا أن أملي عليه ما أقول وهو جدٌ نادر.
**
رأيي في منهج القصة إن ابلاغ مؤثراتها النفسية إلى وجدان القارئ هو كل ما يُطلب من كاتبها بغير قيد مرسوم ولا اتباع لمذهب مدرسة خاصة وقد قيل غير مرة أن "سارة" لا تجري على منهج القصة المتبع، ولم يقل أصحاب هذا الرأي ما هو المنهج المتبع الذي يعنونه وما هو القانون الفتي.

الذي يُفرض على كل كاتب ولا يسمح له بالتصرف فيه، وكل ما هنالك أن الناقد يلقي بهذا الرأي وهو يعرض في ذهنه أساليب قصص مختلفة ويريد مني أن أوافقها جميعاً في أسلوب قصة واحدة.
**
هل يعرف الإنسان نفسه؟ كلا، بغير تردد فلو أنه عرف نفسه لعرف كل شيء في الأرض والسماء وفي الجهر والخفاء، ولم يكتب ذلك لأحد من أبناء الفناء.
**
قد عرفت أنني أثق بنفسي وأعتمد عليها، ولكني أعتقد أنني وثقت بها من طريق النفي قبل وثوقي بها من طريق الثبوت، فقد كنت في بادئ الأمر أحسب.

أنني أنا المخطئ وحدي، وأن جميع الناس على صواب! ؛ (هناك اختلاف لا شك فيه فمن المخطئ ومن المصيب؟ ) أنا المخطئ إذن لا جدال.
**
عرفت أنني أكره الهزيمة في كل مجال، ولكن يشهد الله أنني أعاف النصر إذا رأيت أمامي ذل المنهزم وانكسار المستسلم.
**
أوقات العمل تملكنا، ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد، فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف.

وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله، وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة.
**
ليس معنى "وقت الفراغ" أنه الوقت الذي نستغني عنه ونبدده ، ولكن وقت الفراغ هو الوقت الذي بقي لنا لنملكه ونملك أنفسنا فيه، بعد أن قضينا.

وقت العمل مملوكين مسخرين لما نزاوله من شواغل العيش وتكاليف الضرورة.

**
بين الكاتب وقارئه علاقة تعاون واشتراك، لا يغني فيها الجهد المفرد عن الجهدين المتساندين

فالقارئ الذي يُفرد الكاتب بواجب التفهيم لا يستحق من الكاتب أن يلتفت إليه.
**
فلسفة حياة في سطور: غناك في نفسك، وقيمتك في عملك، وبواعثك أحرى بالعناية من غاياتك، ولا تنتظر من الناسِ كثيراً.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق